للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقت جريها وإرسائها قيل: كان نوح عليه السلام إذا أراد أن يجريها يقول: بسم الله فتجري وإذا أراد أن يرسيها يقول بسم الله فترسو إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) أي لولا مغفرته تعالى ورحمته إياكم لما نجاكم لأنكم لا تنفكون عن أنواع الزلات وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ في عظمه وارتفاعه وذلك يدل على وجود الرياح الشديدة في ذلك الوقت.

قال علماء السير: أرسل الله تعالى المطر أربعين يوما وليلة وخرج الماء من الأرض وارتفع الماء على أعلا جبل وأطوله أربعون ذراعا حتى أغرق كل شيء وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ كنعان قبل سير السفينة وَكانَ فِي مَعْزِلٍ أي في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وإخوته وقومه بحيث لم يتناوله الخطاب باركبوا يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا في السفينة وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) أي في المكان وهو وجه الأرض خارج السفينة لا في الدين لأن نوحا عليه السلام يحذر ابنه عن الهلكة لا ينهى عن الكفر في ذلك الوقت قالَ سَآوِي أي ألتجئ إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ لارتفاعه قالَ أي نوح: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي عذابه إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي إلا الله الراحم والتقدير لا فرار من الله إلا إلى الله. وهذا تأويل في غاية الحسن. وقيل: لا مكان يعصم من عذاب الله إلا مكان من رحمة الله وهو السفينة. وقيل: لا ذا عصمة إلا من رحمه الله وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ أي حال الموج بين نوح وابنه كنعان فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) أي فصار كنعان من المهلكين بالطوفان وَقِيلَ أي قال الله يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ أي أنشفي ما على وجهك من ماء الطوفان وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أي أمسكي عن إرسال المطر وَغِيضَ الْماءُ أي ونقص ما بين السماء والأرض من الماء وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي أتم الأمر من هلاك قوم نوح وَاسْتَوَتْ أي استقرت الفلك عَلَى الْجُودِيِّ أي على جبل بالجزيرة قريب من الموصل يقال له: الجودي وكان ذلك الجبل منخفضا.

روي أنه عليه السلام ركب في الفلك في عاشر رجب، ومرت بالبيت الحرام فطافت به سبعا ونزل عن الفلك عاشر المحرم فصام ذلك اليوم وأمر من معه بصيامه شكر الله تعالى، وبنوا قرية بقرب ذلك الجبل فسموها قرية الثمانين فهي أول قرية عمّرت على الأرض بعد الطوفان وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) أي قال نوح وأصحابه بعدوا بعدا من رحمة الله للقوم المشركين بحيث لا يرجى عودهم وهذا الكلام جار مجرى الدعاء عليهم، لأن الغالب ممن يسلم من الأمر الهائل بسبب اجتماع قوم من الظلمة فإذا هلكوا ونجا منهم قال مثل هذا الكلام وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي كنعان مِنْ أَهْلِي وقد وعدتني إنجاءهم في ضمن قولك واحمل أهلك وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ أي إن كل وعد تعده لا يتطرق إليه خلف وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) أي لأنك أعدل الحاكمين وهذا دعاء سيدنا نوح عليه السلام في غاية التلطف وهو مثل دعاء سيدنا أيوب عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>