للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعشى فعند ذلك فزع يعقوب. وقال هل أصابكم في غنمكم شيء قالوا: لا، قال: وأنّى يوسف.

قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ يسابق بعضنا بعضا في الرمي.

روي أن في قراءة عبد الله «إنا ذهبنا ننتضل» وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا من ثياب وأزواد وغيرهما ليحفظه فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا أي بمصدق لنا في هذه المقالة وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) أي ولو كنا عندك موصوفين بالصدق والثقة لشدة محبتك ليوسف فكيف وأنت سيئ الظن بنا غير واثق بقولنا: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ أي فوق قميص يوسف بِدَمٍ كَذِبٍ أي بدم ملابس لكذب.

وقرئ «كذبا» على أنه حال من الضمير أي جاءوا كاذبين أو مفعول له. وقرأت عائشة رضي الله عنها «بدم كذب» بالدال المهملة أي كدر أو طري. قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أي قال يعقوب: ليس الأمر كما تقولون بل زينت لكم أنفسكم أمرا غير ما تصفون. قيل: لما جاءوا على قميصه بدم جدي وقد ذهلوا عن خرق القميص فلما رأى يعقوب القميص صحيحا قال: كذبتم لو أكله الذئب لخرق قميصه، وقال بعضهم: بل قتله اللصوص فقال: كيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إلى قميصه أحوج منه إلى قتله؟ وقيل: إنهم أتوه بذئب وقالوا: هذا أكله فقال يعقوب: أيها الذئب أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي فأنطقه الله عز وجل وقال: والله ما أكلت ولدك ولا رأيته قط ولا يحل لنا أن نأكل لحوم الأنبياء فقال له يعقوب: فكيف وقعت في أرض كنعان؟ قال: جئت لصلة الرحم قرابة لي فأخذوني وأتوا بي إليك فأطلقه يعقوب. فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أي فصبري صبر جميل أو فصبر جميل أولى من الجزع وهو أن لا يشكو البلاء لأحد غير الله تعالى وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ أي المطلوب منه العون عَلى ما تَصِفُونَ (١٨) أي على تحمل ما تصفون من هلاك يوسف وكأن الله تعالى قد مضى على يعقوب أن يوصل إليه تلك الغموم الشديدة، والهموم العظيمة ليكثر رجوعه إلى الله تعالى وينقطع تعلق فكره عن الدنيا فيصل إلى درجة عالية في العبودية لا يمكن الوصول إليها إلا بتحمل المحن الشديدة والله أعلم. وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ أي رفقة تسير من جهة مدين يريدون مصر فأخطأوا الطريق فانطلقوا يهيمون في الأرض حتى وقعوا في الأراضي التي فيها الجب- وهي أرض دوثن بين مدين ومصر- فنزلوا عليه فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ أي ساقيهم ليطلب لهم الماء وهو من يهيئ الأرشية والدلاء فيتقدم الرفقة إلى الماء يقال له: مالك بن ذعر الخزاعي ابن أخي سيدنا شعيب عليه السلام وهو رجل من العرب من أهل مدين فَأَدْلى دَلْوَهُ أي فأرخى دلوه في جب يوسف فتعلق هو فلم يقدر الساقي على نزعه من البئر فنظر فيه فرأى غلاما قد تعلق بالدلو فنادى أصحابه قالَ يا بُشْرى أي يا أصحابي، وقال الأعمش: إنه دعا امرأة اسمها بشرى.

وقال السدي: إنه نادى صاحبه واسمه بشرى كما قرأه حمزة وعاصم والكسائي بغير ياء

<<  <  ج: ص:  >  >>