للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرآة المصقولة فقالوا: نعم، فبنوا لها بيتا سمته القيطون، فلما تم دعت المصور وأمرته بصنع سرير من ذهب مرصّع بالجواهر واليواقيت، وفرشته بالديباج والسندس، وصوّرت صورة يوسف وزليخا متعانقين، ثم زينت زليخا وخرجت إلى يوسف مستعجلة وقالت: يا يوسف أجب سيدتك فإنها تدعوك في بيتها القيطون، وكان سميعا مطيعا، وكان بيده قضيب من ذهب يلعب به فرماه وأسرع لباب البيت فلما وضع قدمه الواحدة أحس قلبه بالشر وأراد الرجوع فأسرعت زليخا إليه وجرته للسرير فغمض عينيه، وأطرق رأسه، وبكى حياء من الله تعالى وراودته عن نفسه فأبى، فقالت له: لم تخالف أمري؟ فقال: خوفا من الله وإكراما لسيدي الذي أحلني محل أولاده، فقالت: أما إلهك فأنا أعطيك جميع الأموال تصدّق بها لربك ليغفر لك هذا الذنب، وأما سيدك فأنا أطعمه السم حتى يهرى لحمه وأكون أنا وأموالي ملكك، فقام وبادر إلى الباب من غير أن يكون بينه وبينها سبب من الأسباب فجذبته مزقت قميصه من خلفه وهو فار، فوافق ذلك الوقت أن العزيز مر بالباب، فنظر العزيز لزليخا فرآها مزينة حاسرة عن وجهها، ونظر إلى يوسف فرآه منكس الرأس، باكي العين. فوقف متحيرا في أمرهما ينظر إليه مرة، وإليها مرة، فقالت له:

إن غلامك هذا يريد أن يخونك في أهلك أي شيء جزاؤه أن يسجن أو عذاب أليم. فقال له العزيز: يا يوسف ما كان هذا جزائي منك أحللتك محل أولادي وتخونني في أهلي! فقال يوسف عليه السلام: إن لي شاهدا يشهد لي بالبراءة فقال له: أين الشاهد وليس معكما في البيت ثالث؟

فقال: هذا الطفل يشهد لي بالبراءة، فأوحى الله لجبريل أن اهبط على الطفل وشق له لسانه حتى يشهد لعبدي يوسف بالبراءة فعند ذلك تنحنح الطفل وقال: أيها الملك إن عندي في أمرك هذا ما لك فيه فرج ومخرج، انظر إلى قميص الغلام العبراني إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ أي شق من قدام فَصَدَقَتْ أي فقد صدقت المرأة وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) في قوله: هي راودتني وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ أي من خلف فَكَذَبَتْ أي فقد كذبت المرأة في دعواها وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) في قوله: هي راودتني فَلَمَّا رَأى أي زوجها قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ لها زوجها قطفير وقد قطع بصدقه وكذبها إِنَّهُ أي هذا القذف له في ضمن قولك: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا مِنْ كَيْدِكُنَّ أي من جنس مكركن أيتها النساء إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) لأن لهن في هذا الباب من الحيل ما لا يكون للرجال ولأن كيدهن في هذا الباب يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا أي يا يوسف أعرض عن ذكر هذه الواقعة حتى لا ينتشر خبرها ولا يحصل العار العظيم بسببها، واكتمه فقد ظهر صدقك ونزاهتك، اسْتَغْفِرِي يا زليخا لِذَنْبِكِ الذي صدر عنك أي توبي إلى الله تعالى مما رميت يوسف به وهو بريء منه إِنَّكِ كُنْتِ بسبب ذلك مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩) . في هذا القول الذي لا يليق بمقام الأنبياء وكان العزيز رجلا حليما، فاكتفى بهذا القدر من مؤاخذتها، وكان قليل الغيرة قال: في البحر أن

<<  <  ج: ص:  >  >>