للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفروعية خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي أوجدهما على صفات خصصها بحكمته ولما احتج تعالى بخلق السموات والأرض على حدوثهما قال بعده: تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) فالقائلون بقدم السموات والأرض كأنهم أثبتوا لله شريكا في القدم، فنزه تعالى نفسه عن ذلك وبيّن أنه لا قديم إلا هو. فالمقصود من قوله أولا سبحانه وتعالى عما يشركون إبطال قول من يقول: إن الأصنام تشفع للكفار في دفع عقاب الله عنهم. والمقصود هاهنا إبطال قول من يقول أجسام السموات والأرض قديمة فنزه الله تعالى نفسه عن أن يشاركه غيره في القدم خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ منتنة فَإِذا هُوَ بعد قوة عقله وعظم فهمه خَصِيمٌ لربه مُبِينٌ (٤) أي ظاهر الخصومة منكر لخالقه قائل من يحيي العظام وهي رميم وهذا إشارة إلى الاستدلال بأحوال نفس الإنسان على وجود الصانع الحكيم فإن الانتقال من الحالة الخسيسة إلى الحالة العالية لا يحصل إلا بتدبير مدبر حكيم عليم وَالْأَنْعامَ أي الإبل والبقر والغنم خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ أي ما يتدفأ به من اللباس المتخذة من الأصواف والأوبار والأشعار وَمَنافِعُ هي درها وركوبها والحراثة بها وغير ذلك وَمِنْها أي من لحومها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ أي منظر حسن عند الناس حِينَ تُرِيحُونَ أي تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) أي تخرجونها من حظائرها إلى المرعى بالغداة وَتَحْمِلُ أي الإبل أَثْقالَكُمْ أي أمتعتكم إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ أي واصلين إليه على غير الإبل إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ أي إلا بتعب النفس أو إلا بذهاب نصف قوة البدن، والشق بكسر الشين وفتحها معناه المشقة والنصف إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) ولذلك أصبغ عليكم هذه النعم الجليلة ويسّر لكم الأمور الشاقة وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً أي وخلق هذه الأشياء للركوب وللمنظر الحسن، واحتج بهذه الآية من يحرم لحوم الخيل وقالوا: لأن الله تعالى خصّ هذه بالركوب فعلمنا أنها مخلوقة للركوب لا للأكل وهو قول ابن عباس وإليه ذهب الحكم ومالك وأبو حنيفة، وذهب جماعة من أهل العلم إلى إباحة لحوم الخيل، وهو قول الحسن وشريح وعطاء وسعيد بن جبير وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق، واحتجوا على إباحة لحوم الخيل بما روي عن أسماء بنت أبي بكر الصدّيق قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرسا ونحن بالمدينة أخرجه البخاري ومسلم.

روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل.

وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) أي ويخلق في الدنيا غير ما عدد من أصناف النعم.

روي عن ابن عباس أنه قال: إن عن يمين العرش نهرا من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبعة يدخل فيه جبريل عليه السلام كل سحر، فيغتسل، فيزداد نورا

<<  <  ج: ص:  >  >>