للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متوسطة بين الحرمزة والبلادة، وفضيلة القوة الشهوية البهيمية، فالعفة متوسطة بين الخلاعة والخمود وفضيلة القوة الغضبية السبعية فالشجاعة متوسطة بين التهور والجبن ويندرج فيه أيضا الحكم الاعتقادية، فالتوحيد متوسط بين التعطيل والتشريك، فنفي الإله تعطيل محض وإثبات أكثر من إله واحد تشريك. والعدل هو إثبات الإله الواحد وهو قول: لا إله إلا الله، والقول بالكسب متوسط بين الجبر والقدر فإن القول: بأن العبد ليس له قدرة واختيار جبر محض.

والقول: بأن العبد مستقل بأفعاله قدر محض. والعدل أن يقال: إن العبد يفعل الفعل لكن بواسطة قدرة وداعية يخلقهما الله تعالى فيه، والقول: بأن الله تعالى لا يؤاخذ عبده على شيء من الذنوب مساهلة عظيمة، والقول: بأنه تعالى يخلد في النار عبده الآتي بالمعصية الواحدة تشديد عظيم والعدل هو القول بأنه تعالى يخرج من النار كل من اعتقد أنه لا إله إلا الله ويندرج تحته أيضا الحكم العملية، فالتعبد بأداء الواجبات متوسط بين البطالة والترهب. والختان: مأمور به في شريعتنا، فإن إبقاء الجلدة مبالغة في تقوية اللذة والإخصاء وقطع الآلات كما عليه المانوية إفراط، فكانت الشريعة إنما أمرت بالختان سعيا في تقليل تلك اللذة حتى يصير ميل الإنسان إلى قضاء شهوة الجماع إلى حد الاعتدال، لئلا تصير الرغبة فيه غالبة على الطبع ويندرج تحته أيضا الحكم الخلقية، فالجود متوسط بين البخل والتبذير وشريعة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وسط بين التشديد والتساهل قال الله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] أي متباعدين عن طرفي الإفراط والتفريط في كل الأمور. ولما بالغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في العبادات قال تعالى: طه، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [طه: ١] ولما أخذ قوم في المساهلة قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً [المؤمنون: ١١٥] والمطلوب رعاية العدل بين طرفي الإفراط والتفريط وَالْإِحْسانِ أي المبالغة في أداء الطاعات إما بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل، وإما بحسب الكيفية كالاستغراق في شهود مقامات الربوبية.

والحاصل أن العدل عبارة عن القدر الواجب والإحسان عبارة عن الزيادة في ذلك وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى أي إعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه.

قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم»

«١» وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ أي المعاصي كلها وَالْمُنْكَرِ وهو ما لا يعرف في شريعة وَالْبَغْيِ أي الاستعلاء على الناس والترفع.

والحاصل أن الفحشاء هي الإفراط في متابعة القوة الشهوية، فهي إنما ترغب في تحصيل اللذات الشهوانية الخارجة عن إذن الشريعة، وأن المنكر هو الإفراط في إظهار آثار القوة الغضبية


(١) رواه ابن حبان في المجروحين (٣: ١٤٩) ، وابن القيسراني في تذكرة الموضوعات (٢٥٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>