للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرض عليكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦) لمن تهاون بحدوده الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ أي أشهر الحج معروفات بين الناس وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة إلى طلوع فجر يوم النحر عند الشافعي. فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ أي فمن أوجب الحج على نفسه بالإحرام فيهن فلا جماع ولا خروج عن حدود الشرع بارتكاب المحظورات ولا خصام مع الخدم والرفقة وغيرهما في أيام الحج.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فلا رفث ولا فسوق» بالرفع والتنوين، ولا جدال بالنصب.

والباقون قرءوا الكل بالنصب. والمعنى على هذا لا يكونن رفث ولا فسوق، ولا خلاف في الحج وذلك أن قريشا كانت تخالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام فارتفع الخلاف بأن أمروا بأن يقفوا بعرفات كسائر العرب، واستدل على أن المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال

بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمه»

«١» . فإنه صلّى الله عليه وسلّم لم يذكر الجدال وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ كصدقة وكترك المنهي يَعْلَمْهُ اللَّهُ أي يقبله أو يجزي به خير جزاء وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى أي تزودوا من التقوى لمعادكم فإنها خير زاد وهي فعل الواجبات وترك المحظورات. ويقال: وتزودوا ما تعيشون به لسفركم في الدنيا فإن خير الزاد ما تكفون به وجوهكم عن السؤال وأنفسكم عن الظلم وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧) أي ذوي العقول. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ أي ليس عليكم حرج في أن تطلبوا رزقا من ربكم بالتجارة في الحج فَإِذا أَفَضْتُمْ أي رجعتم مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ بالتلبية والتسبيح والتحميد والتهليل عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وهو جبل يقف عليه الإمام وسمي «قزح» وهو آخر حد المزدلفة.

وقال بعضهم: المشعر الحرام هو المزدلفة، لأن الذكر المأمور به عنده يحصل عقب الإفاضة من عرفات وما ذاك إلا بالمبيت بالمزدلفة وَاذْكُرُوهُ أي الله كَما هَداكُمْ أي لأجل هدايته إياكم لمعالم دينه وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) أي وإنكم كنتم من قبل الهدي لمن الجاهلين بالإيمان والطاعة ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ أي ثم ارجعوا من المزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس للرمي والنحر، كما رجع منها إبراهيم وإسماعيل في ذلك الوقت على ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكان العرب الذين وقفوا بالمزدلفة يرجعون إلى منى بعد


(١) رواه البخاري في كتاب الحج، باب: فضل الحج المبرور، ومسلم في كتاب الحج، باب: ٤٣٨، والترمذي في كتاب الحج، باب: ٤، وابن ماجة في كتاب المناسك، باب:
فضل الحج والعمرة، والدارمي في كتاب المناسك، باب: في فضل الحج والعمرة، والنسائي في كتاب مناسك الحج، باب: فضل الحج، وأحمد في (م ٢/ ص ٢٢٩) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>