للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للناس وهم الشياطين عَضُداً (٥١) أي أعوانا في شأن الخلق حتى يتوهم شركتهم بي في بعض أحكام الربوبية. والمعنى ما أطلعتهم على أسرار التكوين وما خصصتهم بفضائل لا يحويها غيرهم حتى يكونوا قدوة للناس، فكيف تطيعونهم يا بني آدم: وَيَوْمَ يَقُولُ أي واذكر لهم يا أشرف الخلق أحوال المشركين وآلهتهم يوم القيامة إذ يقول الله تعجيزا. وقرأ حمزة بنون العظمة. نادُوا شُرَكائِيَ أي نادوا آلهتكم التي قلتم: إنهم شركائي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أي عبدتم ليمنعوكم من عذابي فَدَعَوْهُمْ للإغاثة فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ إلى ما دعوهم إليه وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ أي المشركين وآلهتهم مَوْبِقاً (٥٢) أي حاجزا بعيدا أو واديا في جهنم من قيح ودم، وذلك أن المشركين الذين اتخذوا من دون الله آلهة الملائكة وعزيرا، وعيسى ومريم عليهم السلام دعوا هؤلاء فلم يجيبوهم استهانة بهم، واشتغالا بأنفسهم، ثم حيل بينهم فأدخل الله تعالى هؤلاء المشركين جهنم، وأدخل عزيرا وعيسى ومريم الجنة، وسار الملائكة إلى حيث أراد الله من الكرامة وحصل بين الكفار ومعبوديهم هذا الحاجز وهو ذلك الوادي وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ أي الكافرون النَّارَ من مكان بعيد فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها أي مخالطوها في تلك الساعة من غير تأخير لشدة ما يسمعون من تغيظها وزفيرها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) أي معدلا إلى غيرها، لأن الملائكة تسوقهم إليها وَلَقَدْ صَرَّفْنا أن ذكرنا على وجوه كثيرة فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ أي لمنفعتهم مِنْ كُلِّ مَثَلٍ أي من كل نوع من أنواع المعاني البديعة الداعية إلى الإيمان التي هي في الغرابة كالمثل ليتلقوه بالقبول فلم يفعلوا وَكانَ الْإِنْسانُ بجبلته أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (٥٤) أي وكان خصومة الإنسان بالباطل أكثر شيء فيه وَما مَنَعَ النَّاسَ أي أهل مكة أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى أي القرآن الهادي إلى الإيمان وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ عما فرط منهم من الذنوب إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أي إلا طلب إتيان سنتنا في الأولين وهو عذاب الاستئصال أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا (٥٥) .

وقرأ حمزة وعاصم والكسائي بضم القاف والباء. أي أنواعا من العذاب تتواصل مع كونهم أحياء، والباقون بكسر القاف وفتح الباء أي عيانا. وقرئ بفتحتين أي مستقبلا. وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إلى الأمم إِلَّا مُبَشِّرِينَ بالثواب على أفعال الطاعة وَمُنْذِرِينَ بالعقاب على أفعال المعصية وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا المرسلين بِالْباطِلِ أي باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ أي ليبطلوا بجدالهم الشرائع وَاتَّخَذُوا آياتِي التي هي معجزات الرسل وَما أُنْذِرُوا أي وإنذارهم بالعذاب هُزُواً (٥٦) أي سخرية. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ أي ليس أحد أظلم ممن وعظ بالقرآن فَأَعْرَضَ عَنْها أي فصرف عن تلك الآيات ولم يتدبرها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ أي تغافل عن كفره وذنوبه ولم يتفكر في عاقبته إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي أغطية أَنْ يَفْقَهُوهُ أي مانعة من أن يفهموا القرآن وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً أي صمما مانعا من استماعه وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى أي إلى التوحيد فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) أي فلن

<<  <  ج: ص:  >  >>