للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حينئذ بلا تأخير. وقرأ ابن عامر بنصب «يكون» على الجواب. وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ.

قرأ ابن عامر والكوفيون بكسر «إن» عطف على قوله: «إني عبد الله» أو على الاستئناف، ويؤيده ما قرأه أبي «إن الله» بالكسر بغير واو. وقرأ أبو عمرو والمدنيون بالفتح على حذف حرف الجر متعلقا بما بعده، أي ولأن الله أو بسبب أنه تعالى ربي وربكم فاعبدوه. هذا التوحيد ونفي الولد والزوجة الذي أمرتكم به، صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) ، يوصل إلى الجنة ورضا الله تعالى. فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ، أي اختلف النصارى في شأن عيسى عليه السلام بعد رفعه إلى السماء. فأخرج كل قوم عالمهم، فأخرج منهم أربعة نفر، فقال أحدهم: هو الله تعالى هبط إلى الأرض، فأحيا من أحيا وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء، وهم: اليعقوبية. فقالت الثلاثة كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث: قل فيه، قال: هو ابن الله وهم النسطورية. فقال الاثنان: كذبت. ثم قال أحد الاثنين للآخر قل فيه. فقال: هو ثالث ثلاثة الله إله، وهو إله، وأمه إله، وهم الإسرائيلية، ملوك النصارى، ولذلك سموا ملكانية. فقال الرابع: كذبت، بل هو عبد الله، وروحه، ورسوله، وكلمته، فخصمهم، وقال: أما تعلمون أن عيسى كان يطعم، وينام، وأن الله تعالى لا يجوز عليه ذلك، وهم المسلمون. وكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال، فاقتتلوا وغلبوا على المسلمين.

فذلك قول الله تعالى: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران: ٢١] فصاروا أحزابا. وذلك قوله تعالى: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فاختلفوا فيه، وهذا معنى قوله تعالى: الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ فَوَيْلٌ أي فشدّة عذاب، لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي اختلفوا في شأن عيسى، مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) ، أي من حضور هول الحساب، والجزاء يوم القيامة، أو من مكان الحضور في الحساب وهو الموقف، أو من وقت حضوره، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم، وهو شهادة الملائكة والأنبياء، وشهادة ألسنتهم وأيديهم، وأرجلهم بالكفر وسوء الأعمال، أو من وقت شهادة يوم عظيم الهول أو من مكانها. أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا، أي أن أسماعهم وأبصارهم يوم يأتوننا للحساب والجزاء، جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صما وعميانا في الدنيا. لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) ، أي لكن الكافرون في الدنيا في ضلال مبين، حيث تركوا النظر بالكلية، وهم في الآخرة يعرفون الحق. وَأَنْذِرْهُمْ، أي خوف يا أشرف الخلق، كفار مكة يَوْمَ الْحَسْرَةِ، أي يوم الندامة، إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ أي فرغ من الحساب ببيان أمر الثواب والعقاب، فيندم في ذلك اليوم الناس، المسيء على إساءته في الدنيا، والمحسن على قلة إحسانه فيها.

روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، سئل عن قوله تعالى: إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ، فقال: «حين يجاء بالموت على صورة كبش أملح فيذبح، والفريقان ينظران فينادي المنادي: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرح، وأهل النار غما إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>