والمعنى أنهم لما سمعوا الآيات، بينات الإعجاز، وعجزوا عن معارضتها، شرعوا في الافتخار بما لهم من حظوظ الدنيا، فرد الله عليهم ذلك بقوله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ، أي كثيرا أهلكنا بفنون العذاب قبل هؤلاء القريش، من أمم عاتية كعاد، وثمود وأمثالهم، هُمْ أَحْسَنُ من هؤلاء أَثاثاً أي أمتعة وَرِءْياً (٧٤) ، أي منظرا، أي فهم أفضل من هؤلاء فيما يفتخرون به، ولو كان ما آتيناهم لكرامتهم علينا لما فعلنا بهم ما فعلنا، أي فإن ما أنتم أيها الكفار فيه من النعم، محض استدراج لم ينفعكم الترفه شيئا عند نزول البلاء بكم، كما وقع للأمم الماضية، حيث كانوا في رفاهية أكثر منكم، ومع ذلك أهلكهم الله بكفرهم، ولم ينفعهم الترفه شيئا قُلْ يا أشرف الرسل لهؤلاء المفتخرين بما لهم من حظوظ: مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا، وهذا الأمر بمعنى الخبر، أي من كان مستقرا في الضلالة، مغمورا بالجهل والغفلة عن عواقب الأمور، فيمهله الله بطول العمر، وبسط المال، وإنفاقه فيما يستلذّ به من الأوزار، ولا يزال يمدّ له استدراجا وقطعا للمعاذير يوم القيامة. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ، من الله تعالى إِمَّا الْعَذابَ الدنيوي بغلبة المسلمين عليهم، وتعذيبهم إياهم قتلا وأسرا، وَإِمَّا السَّاعَةَ، أي ما نالهم يوم القيامة من الخزي والنكال. فَسَيَعْلَمُونَ حينئذ، مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً أي منزلا من الفريقين وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) ، أي أقلّ ناصرا، أهم أم المؤمنون. وهذا ردّ لما كانوا يزعمون أن لهم أنصارا من الأخيار، ويفتخرون بذلك في المحافل، وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا بالإيمان، هُدىً أي بالإخلاص، وبالعبادات المتفرعة على الإيمان، وبالثواب على ذلك الإيمان.
وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ، أي الطاعات التي تبقى فوائدها خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً أي فائدة مما يتمتع به الكفرة من النعم الفانية التي يفتخرون بها وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦) أي عاقبة. أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ؟؟؟ بِآياتِنا، الناطقة بالبعث، وهو العاص بن وائل السهمي، وَقالَ لخباب بن الأرت:
لَأُوتَيَنَّ في الآخرة مالًا وَوَلَداً (٧٧) .
نزلت هذه الآية في شأن العاص بن وائل، عن خباب قال: كان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أقتضيه، فقال لي: لن أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لن أكفر به، حتى تموت ثم تبعث. قال: وإني لمبعوث من بعد الموت، قلت: نعم، قال: إني إذا بعثت وجئتني فسيكون لي ثمّ مال وولد، فأعطيك.
وقرأ حمزة والكسائي «وولدا» بضم الواو وسكون اللام. وقيل: صاغ خباب للعاص حليا فطلب الأجرة، فقال: إنكم تزعمون أنكم تبعثون، وأن في الجنة ذهبا، وفضة، وحرير، أفأنا أقضيك، ثم فإني أوتى مالا وولدا حينئذ فأجاب الله تعالى عن كلامه بقوله تعالى: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أي أعلم الغيب، وأن يعطى ما قاله، أو أقد بلغ من عظمة الشأن، إلى أن ارتقى إلى علم الغيب، الذي انفرد الله به، حتى ادعى أن يؤتى في الآخرة مالا وولدا، وأقسم عليه. أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ