للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيِّناتِ

أي المعجزات الظاهرة الدالة على صدق موسى. وَالَّذِي فَطَرَنا أي ولا على عبادة الذي خلقنا، فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ أي فاصنع ما أنت صانعه، إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) ، أي لأنك إنما تحكم علينا في الدنيا فقط، وليس لك علينا سلطان في الآخرة، وأنت تجزى على حكمك في الآخرة، وما لنا من رغبة في حلاوة الدنيا ولا رهبة من عذابها. إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا، أي شركنا ومعاصينا، وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ، أي وليغفر لنا السحر الذي عملناه في معارضة موسى رغبة في خيرك، ورهبة من شرك، بإكراهك علينا في الحضور إليك من المدائن القاصية، وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) أي فخيره تعالى أبقى من خيرك لمن أطاعه، وعذابه أبقى من عذابك لمن عصاه، إِنَّهُ أي لأنه الشأن، مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ يوم القيامة مُجْرِماً، بأن مات على الكفر، فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها، فينتهي عذابه ويستريح وَلا يَحْيى (٧٤) ، حياة ينتفع بها. وَمَنْ يَأْتِهِ يوم القيامة مُؤْمِناً، بما وعد من الثواب، وأوعد من العقاب على لسان أنبيائه، قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ التي جاءوا بها، فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) ، أي المنازل الرفيعة في الجنان.

جَنَّاتُ عَدْنٍ، وهي في وسط الجنان، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ، أي الدرجات العلى، جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦) ، أي تطهر من الذنوب. وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي.

قرأ نافع وابن كثير بكسر النون، وهمزة وصل. أي سر ببني إسرائيل أول الليل من أرض مصر إلى البحر، فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً، أي اجعل لهم بالضرب بعصاك طريقا في البحر يابسا ليس فيه وحل ولا نداوة. لا تَخافُ دَرَكاً، أي إدراك فرعون، وَلا تَخْشى (٧٧) ، من الغرق. وقرأ حمزة «لا تخف» بالجزم جوابا للأمر. فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ، أي فلحقهم فرعون مع جموعه، فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) ، أي فسترهم ما سترهم من البحر. وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ، أي سلك بهم مسلكا أدّاهم إلى الهلاك في الدين والدنيا معا، حيث ماتوا على الكفر بالعذاب الدنيوي المتصل بالعذاب الأخروي. وَما هَدى (٧٩) أي ما أرشدهم إلى طريق موصل إلى مطلب دنيوي وأخروي.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أمر الله تعالى موسى أن يقطع بقومه البحر، وكان موسى وبنو إسرائيل استعاروا من قوم فرعون الحلي والدواب لعيد يخرجون إليه، فخرج بهم ليلا وهم ستمائة ألف وثلاثة آلاف ونيف، ليس فيهم ابن ستين ولا عشرين، وخرج فرعون في طلب موسى، وعلى مقدمته ألف وخمسمائة ألف سوى الجنبين والقلب. فلما انتهى موسى إلى البحر قال: هاهنا أمرت، فأوحى الله إليه: أن اضرب بعصاك البحر، فضرب، فانفلق، فقال لهم موسى عليه السلام: أدخلوا فيه. فقالوا: وأرضه رطبة، فدعا الله تعالى فهبت عليها الصبا فجفت.

فقالوا: نخاف الغرق في بعضنا، فجعل بينهم كوى حتى يرى بعضهم بعضا، ثم دخلوا حتى جاوزوا البحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>