للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موسى: وما رأيت دونهم؟ قال: رأيت جبريل لما نزل على دابة الحياة فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ، أي حفنة من تربة موطئ فرس الملك الذي أرسل إليك ليذهب بك إلى الطور للمناجاة، وأخذ التوراة. وقرأ الحسن «قبضة» بضم القاف. وقرئ «قبصت قبصة» ، بالصاد المهملة، فالضاد المعجمة للأخذ بجميع الكف، والمهملة للأخذ بأطراف الأصابع.

فَنَبَذْتُها أي فطرحت المأخوذ في فم العجل المصوغ ودبره فخار، أو في الحلي المذابة.

قال أبو مسلم الأصفهاني: إن موسى عليه السلام، لما أقبل على السامري باللوم على الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في باب العجل، فقال: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ إلخ. أي عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق. وقد كنت أخذت شيئا من سنتك أيها الرسول فطرحتها، وعلى هذا فالمراد بالأثر: الدين، وبالرسول: سيدنا موسى عليه السلام.

قال الرازي: وهذا القول أقرب إلى التحقيق لأن جبريل لم يجر له فيما تقدم ذكره، وليس بمشهور عندهم باسم الرسول ولأن إضمار الكلام خلاف الأصل، ولأن جبريل ربّى السامري حال طفولته فلا يعرفه، ولو عرفه بعد البلوغ لعرف قطعا أن موسى عليه السلام نبي صادق، ولأنه لو جاز إطلاع بعض الكفرة أن تراب فرس جبريل له خاصية الإحياء، لاطلع موسى عليه السلام على شيء آخر يشبه ذلك، فلأجله أتى بالمعجزات. وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) ، أي وزينت لي نفسي تزينا كائنا مثل ذلك التزيين الذي فعلته من القبص، والنبذ، فالمعنى لم يدعني إلى ما فعلته أحد غيري، بل اتبعت هواي فيه. قالَ له موسى: فَاذْهَبْ يا سامري من بين الناس، فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ، أي فإن قولك لا مساس ثابت لك في مدة حياتك لا ينفك عنك، فكان يصيح بأعلى صوته: لا مساس، أي إني لا أمسّ ولا أمسّ، وإذا مسّه أحدّهم أخذت الحمّى الماسّ والممسوس، فكان إذا أراد أحد أن يمسّه صاح خوفا من الحمى، وقال: لا مساس. وحرّم موسى عليهم مكالمته، ومبايعته، وغيرها مما يعتاد جريانه فيما بين الناس، فكان يهيم في البرية مع السباع والوحوش، ويقال: إن موسى همّ بقتل السامري،

فقال الله تعالى: «لا تقتله فإنه سخي» .

وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لعذابك في الآخرة لَنْ تُخْلَفَهُ.

قرأ أهل المدينة والكوفة، بفتح اللام أي لن يخلفك الله ذلك الوعد. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو والحسن بكسر اللام، أي لن تجد للوعد خلفا ولن يتأخر عنك. وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً، أي الذي أقمت عابدا على إلهك ثم لَنُحَرِّقَنَّهُ بالنار. ويؤيده قراءة «لنحرقنّه» بضم النون، وسكون الحاء أو «لنبردنّه» بالمبرد، ويعضده قراءة أبي جعفر، وابن محيصن «لنحرقنّه» بفتح النون، وضم الراء، أي لنبردنّه بعد أن أحميه بالنار، حتى لان فهان على المبارد. ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) أي لنذرينّه في هواء البحر ذروا إذا صار رمادا، أو مبرودا، كأنه هباء. ولقد فعل موسى عليه السلام ذلك كله حينئذ، فلما فرغ موسى من إبطال ما

<<  <  ج: ص:  >  >>