وقرأ الباقون «قل» - على الأمر للرسول صلّى الله عليه وسلّم-: رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ، الكائن فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ، سواء كان سرا أم جهرا وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) فيجازيهم بأقوالهم وأفعالهم.
وهذا متصل بقوله تعالى هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ، فإن الظالمين لم يقتصروا على قولهم في حقه صلّى الله عليه وسلّم هل هذا إلّا بشر، وفي حق ما ظهر على يده من القرآن أنه سحر، بل قالوا: ما أتانا به محمد أباطيل أحلام كاذبة رآها في النوم، بل اختلق محمد ما أتانا به من تلقاء نفسه من غير أن يكون له. صل، بل محمد هو شاعر، فما أتى به كلام يخيّل للسامع معاني لا حقيقة لها، ويرغّبه فيها، فترتيب كلامهم كأنهم قالوا: ندّعي أن كون محمد بشرا مانع من كونه رسولا لله، فإن سلّمنا أنه غير مانع فلا نسلّم أن هذا القرآن معجز، فإن ساعده على أن فصاحته خارجة عن مقدور البشر.
قلنا: لم لا يجوز أن يكون ذلك سحرا وإن لم تساعده فصاحته عليه، فإن ادّعينا كونه في غاية الركاكة، قلنا: إنه أضغاث أحلام.
وإن ادعينا أنه متوسط بين الركاكة والفصاحة، قلنا: إنه افتراء، وإن ادعينا أنه كلام فصيح، قلنا: إنه من جنس فصاحة سائر الشعراء. وعلى هذه التقديرات فإنه لا يثبت كونه معجزا ولا يثبت كون محمد رسولا لله تعالى، وإن لم يكن كما قلنا، بل كان رسولا من الله تعالى، فليأتنا بآية كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) أي بآية كائنة مثل الآية التي أرسل بها الأولون، كاليد، والعصا والناقة، ونظائرها، حتى نؤمن به. قال الله تعالى مجيبا لهم: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ، أي قبل مشركي مكة، مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها، بإهلاك أهلها لعدم إيمانهم بعد مجيء ما اقترحوه من الآيات، أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) أي الأمم المهلكة لم يؤمنوا عند إعطاء ما اقترحوه من الآيات، أهم لم يؤمنوا، فهؤلاء يؤمنون لو أعطوا ما اقترحوا مع كونهم أشدّ عتّوا من أولئك. وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا، أي وما أرسلنا إلى الأمم قبل إرسالك إلى أمتك، إلا رجالا مخصوصين من أفراد جنسك، متأهلين للإرسال، ولم يكونوا ملائكة، نُوحِي إِلَيْهِمْ بواسطة الملك، كما نوحي إليك من غير فرق.
وقرئ «يوحى إليهم» بالياء على صيغة المبني للمفعول. فَسْئَلُوا أيها الجهلة أَهْلَ الذِّكْرِ، أي أهل الكتاب التوراة والإنجيل، فإنهم يخبرونكم بحقيقة الحال ليزول شككم إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) أن الرسل بشر فأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديقكم للذين آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم. وَما جَعَلْناهُمْ، أي الرسل جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ، أي وما جعلناهم جسدا مستغنيا عن الأكل والشرب، بل محتاجا إلى ذلك لتحصيل بدل ما يخرج منه وَما كانُوا أي الرسل خالِدِينَ (٨) . في الدنيا بل يموتون كغيرهم لأن عاقبة التحلّل هو الفناء. ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ أي ثم صدقناهم في الوعد الذي وعدناهم بإهلاك من كذبهم، فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ