عنه، فأرسل إليها أيوب ودعاها فقال: ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت وقالت: أردت ذلك المبتلى الذي كان ملقى على الكناسة، فقال لها أيوب عليه السلام: فما كان منك؟ فبكت، وقالت: بعلي فقال: أتعرفينه إذا رأيتيه؟ قالت: وهل يخفى علي؟ فتبسّم وقال: أنا هو فعرفته بضحكه فاعتنقته. ثم قال: إنك أمرتني أن أذبح سخلة لإبليس، وإني أطعت الله وعصيت الشيطان ودعوت الله تعالى فردّ علي ما ترين وذلك قوله تعالى: فَاسْتَجَبْنا لَهُ الدعاء، فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ أي مرض وهزال، وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ.
روي أن امرأته ولدت بعد ذلك ستة وعشرين ابنا. قال ابن عباس: أبدل بكل شيء ذهب منه ضعفا. وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكا فقال: إن ربك يقرئك السلام بصبرك، فاخرج إلى أندرك، وهو الموضع الذي يداس فيه الطعام، فخرج إليه، فأرسل عليه جرادا من ذهب رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤) أي آتيناه ما ذكر لرحمتنا أيوب، وتذكرة لغيره من العابدين، ليصبروا كما صبر فيثابوا كما أثيب. وَإِسْماعِيلَ ابن إبراهيم وَإِدْرِيسَ، بن شيب بن آدم وَذَا الْكِفْلِ واسمه بشر، أي أعطيناهم ثواب الصابرين، كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) على أمر الله والمرازي وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا أي في النبوة إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) أي الكاملين في الصلاح.
فصلاحهم معصوم من كدر الفساد، فإسماعيل، قد صبر عند ذبحه، وعلى الإقامة في بلد لا زرع فيه، ولا ضرع، ولا بناء، وصبر في بناء البيت فأخرج منه خاتم النبيين. وإدريس قد صبر على دراسة الكتب وسمي إدريس لكثرة دراسته، وبعث إلى قومه داعيا لهم إلى الله تعالى، فأبوا، فأهلكهم الله ورفع إلى السماء الرابعة. وذو الكفل، قد صبر على قيام الليل، وصيام النهار، وأذى الناس في الحكومة بينهم، بأن لا يغضب. ومعنى الكفل: هو النصيب، وإنما سمي ذا الكفل بذلك على سبيل التعظيم، فيكون الكفل كفل الثواب، لأنه كان له ضعف عمل الأنبياء في زمانه، وضعف ثوابهم، وقد كان في زمنه أنبياء عليهم السلام. وَذَا النُّونِ أي واذكر صاحب الحوت وهو يونس عليه السلام، إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً أي غضبان على قومه لما برم من طول دعوته إياهم، وشدة شكيمتهم، وتمادي إصرارهم مهاجرا عنهم قبل أن يؤمر، لأنهم لما لم يؤمنوا
وعدهم بالعذاب، فلما كشف العذاب عنهم بتوبتهم، وهو لم يعرف الخالد خرج منهم غضبان من ذلك، فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أي ظن أنه لن نضيّق عليه، أي فإنه ظن أنه مخيّر إن شاء أقام وإن شاء خرج، وأنه تعالى لا يضيق عليه في اختياره.
فأتى بحر الروم فوجد قوما هيئوا سفينة فركب معهم، فلما تلجّجت السفينة تكفأت بهم، وكادوا أن يغرقوا فقال الملاحون: هاهنا رجل عاص، أو عبد آبق، لأن السفينة لا تكون هكذا من غير ريح، إلّا وفيها رجل عاص، فلا بد من أن نقترع ليظهر، فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في