للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الآخرة. وهذه الجملة خبر ثان لأولئك ويجوز أن يكون لهم خبر أولئك ومغفرة فاعله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ أي التي تسكنونها حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا أي تستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا؟ وحتى يؤذن لكم، وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها عند الاستئذان.

روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن التسليم أن يقال السلام عليكم أأدخل؟ ثلاث مرات، فإن أذن له دخل وإلا رجع»

. ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي التسليم مع الاستئناس خير لكم من تحية الجاهلية والدمور، وهو الدخول بغير إذن

وفي الحديث: «من سبقت عينه استئذانه فقد دمر»

. لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) أي أمرتم بهذا التأديب لكي تتذكروا به وتعملوا به.

وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص بتخفيف الذال. والباقون بالتشديد، وسبب نزول هذه الآية أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي، وأنا على تلك الحال. فنزلت هذه الآية. فقال أبو بكر: يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن أفلا ندخلها إلا بإذن؟! فأنزل الله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ [النور: ٢٩] الآية فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أي البيوت أَحَداً ممن يملك الإذن فَلا تَدْخُلُوها، واصبروا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ من جهة من يملك الإذن عند إتيانه، واستثنى ما إذا عرض فيه حرق أو غرق، أو كان فيه منكر ونحوه، وَإِنْ قِيلَ

لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا

أي إن أمرتم من جهة أهل البيت بالرجوع، فارجعوا سواء كان الأمر ممن يملك الإذن أو لا، ولا تلحوا بتكرير الاستئذان، ولا تلجوا بالإصرار على الانتظار إلى أن يأتي الإذن هُوَ أي الرجوع أَزْكى لَكُمْ أي أصلح لكم من الوقوف على أبواب الناس، لأنه قد يكرهه صاحب الدار. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من الدخول بإذن وبغيره عَلِيمٌ (٢٨) فيجازيكم عليه. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أي إثم أَنْ تَدْخُلُوا بغير استئذان بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ كالربط والخانات والحوانيت، والحمامات ونحوها، فإنها معدة لمصالح الناس فِيها مَتاعٌ لَكُمْ أي حق انتفاع لكم كالاستكنان من الحر والبرد، وإيواء الأمتعة والشراء والبيع، والاغتسال وغير ذلك وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩) من قصد صلاح، أو فساد، أو اطلاع على عورات في دخول هذه المواضع. قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ. ومقول القول أمر قد حذف لدلالة جوابه عليه، أي قل لهم: أن يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ أي يكفوا أبصارهم عن الحرام.

«من» زائدة أو للتبعيض، لأن الغالب أن الاحتراز عن النظرة الأولى لا يمكن، فوقع قصد أو لم يقصدوه، ولا يجوز أن يكرر النظر إلى الأجنبية

لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «يا علي، لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة»

«١» . وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ عن الحرام ذلِكَ أي غض البصر عن


(١) رواه القرطبي في التفسير (١٢: ٢٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>