من يشاربه، فإذا أمسى ولم يجد أحدا أكل، فأعلم الله تعالى أن الرجل إذا أكل وحده لا حرج عليه هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما. فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ أي إذا دخلتم بيوتا من البيوت المذكورة فسلموا على أهلها الذين بمنزلة أنفسكم لما بينكم وبينهم من القرابة الدينية والنسبية، فالله تعالى جعل أنفس المسلمين كالنفس الواحدة على مثال قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وقال ابن عباس: إن لم يكن في البيت أحد فليقل: السلام علينا من قبل ربنا، وإذا دخل المسجد فليقل: السلام على رسول الله وعلينا من ربنا. وقال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهم أحق بالسلام ممن سلمت عليهم، وإذا دخلت بيتا لا أحد فيه فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وحدثنا أن الملائكة ترد عليه. وقال القفال: وإن كان في البيت أهل الذمة فليقل: السلام على من اتبع الهدى. تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ منصوب على المصدر من معنى فسلموا أي فحيوا تحية ثابتة بأمره، مطلوبة من عنده. مُبارَكَةً أي مضاعفة في الثواب كما قاله الضحاك، طَيِّبَةً أي تطيب بالتحية نفس المستمع.
وعن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«متى لقيت أحدا من أمتي فسلم عليه يطل عمرك وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين»
«١» .
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ أي يفصل شرائعه لكم، لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١) ، أي لتفهموا عن الله أمره ونهيه. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ أي الرسول عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ، أي إنما الكاملون في الإيمان الذين آمنوا بالله ورسوله عن صميم قلوبهم، وأطاعوهما في جميع الأحكام، كما إذا كانوا معه صلّى الله عليه وسلّم على أمر موجب للاجتماع في شأنه لم يتفرقوا عنه حتى يطلبوا منه الإذن فيأذن لهم.
قال الكلبي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا صعد المنبر يوم الجمعة يعرض في خطبته بالمنافقين ويعيبهم فينظرون يمينا وشمالا فإذا لم يرهم أحد خرجوا ولم يصلوا، وإن أبصرهم أحد لبثوا وصلوا خوفا، فكان المؤمن إذا أراد أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر قام بحيال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحيث يراه فيعرف أنه إنما قام ليستأذن، فيأذن لمن شاء منهم. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ رعاية للأدب معك وتعظيما لهذا الأمر أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أي يعملون بمقتضى الإيمان.
قال الضحاك ومقاتل: المراد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أنه خرج مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، فاستأذنه في الخروج إلى أهله لعلة كانت به، فأذن له وقال: ارجع إلى المدينة فلست بمنافق، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ أي أمرهم المهم فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ لما علمت في ذلك من مصلحة.