قادرا على جميع ذلك. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ أي قال النضر بن الحرث: ما القرآن الا كذب مصروف عن وجهه اختلقه محمد من تلقاء نفسه، وأعانه على اختلاقه غير قومه، وهم اليهود جبر ويسار أبو فكيهة الرومي.
قال الكلبي ومقاتل نزلت هذه الآية في النضر بن الحرث فهو الذي قال هذا القول وأعانه عليه عداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى العلاء عامر بن الحضرمي، وجبر مولى عامر، وهؤلاء كانوا من أهل الكتاب، وكانوا يقرءون التوراة، ويحدثون أحاديث منها في مكة، فلما أسلموا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتعهدهم، فزعم النضر أنهم يلقون اليه صلّى الله عليه وسلّم أخبار الأمم الماضية، وهو صلّى الله عليه وسلّم يعبر عنها بعبارات من عنده، فهذا معنى اعانتهم له فمن أجل ذلك قال النضر ما قال، فرد الله تعالى ذلك بقوله تعالى فَقَدْ جاؤُ أي قائلو هذه المقالة ظُلْماً عظيما حيث جعلوا الحق البحت إفكا مفترى من قبل البشر وَزُوراً (٤) أي كذبا كبيرا حيث نسبوا إليه صلّى الله عليه وسلّم ما هو بريء منه.
وَقالُوا أي النضر وأصحابه: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها أي هذا القرآن ما سطره المتقدمون من الخرافات انتسخها محمد بن عداس ويسار وجبر، أي أمرهم بكتابتها له وقراءتها عليه لأنه أمي فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥) أي فتلك الأساطير تقرأ على محمد بعد طلبه منهم كتابتها غدوة وعشيا ليحفظها من أفواههم من ذلك المكتب لكونه أميا لا يقدر على أن يتلقاها منه بالقراءة. وهذا على قول جمهور المفسرين فإن قوله: تُمْلى ألخ من كلام القوم الكافرين.
وقال الضحاك: معنى قولهم ذلك: وما يملى على محمد بكرة يقرأه عليكم عشية، وما يملى عليه عشية يقرؤه عليكم بكرة خلافا للحسن حيث قال: إن ذلك من محض كلام الله تعالى ذكره جوابا عن قولهم كأنه تعالى قال: إن هذه الآيات تلقى عليه صلّى الله عليه وسلّم بالوحي مني حالا بعد حال، فكيف ينسب إلى أنه أساطير الأولين، قُلْ لهم ردا عليهم: أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ليس ذلك القرآن مما يفتعل بإعانة قوم وكتابتهم من الأحاديث الملفقة، بل هو أمر سماوي أنزله الله الذي لا يعزب عن علمه شيء من الأشياء فيعلم ما تسرونه من كيدكم لرسوله مع علمكم بأن ما يقوله حق، وما تقولونه زور، ويعلم براءة رسوله مما تتهمونه به وهو مجازيكم على ما علم منكم وما علم منه. إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦) أي إنما أنزل القرآن لأجل الإنذار فوجب أن يكون غير مستعجل في العقوبة. وهذا تنبيه على أنهم استحقوا بمكايدتهم هذه أن يصب الله عليهم العذاب صبا، ولكن صرف ذلك عنهم كونه غفورا رحيما فيمهلهم ولا يعجل عليهم العذاب. وَقالُوا أي أبو جهل وأصحابه، والنضر وأصحابه، وأمية ابن خلف وأصحابه:
مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ أي سبب حصل لهذا الذي يدّعي الرسالة حال كونه يأكل الطعام كما نأكل، ويمشي في الأسواق لابتغاء الأرزاق كما نفعله، فمن أين له