لعدم إيمان قريش بذلك الكتاب الفاصل بين الحق والباطل، أو لا تبالغ في الحزن على ما فاتك من إسلام قومك لأنك يا أكرم الرسل إن بالغت فيه كنت بمنزلة من يقتل نفسه، ثم لا ينتفع بذلك أصلا، والله تعالى نبه رسوله أن غمه على ذلك لا نفع فيه، كما أن وجود الكتاب على وضوحه لا نفع لهم في الإيمان لما أنه سبق حكم الله بخلافه إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) أي إن نشأ ننزل عليهم من السماء علامة مخوفة لهم، قاصرة على الإيمان كرفع الجبل فوق رؤوسهم، كما وقع لبني إسرائيل فيصيروا لتلك العلامة منقادين في قبول الإيمان وذكر الأعناق لبيان موضع الخضوع، واكتسبت إضافتها إلى العقلاء حكمهم، كما اكتسبت الإضافة إلى المؤنث التأنيث كعكسه، ولذلك كان الخبر مجموعا جمع سلامة لمذكر عاقل.
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) أي ما يأتي أهل مكة من موعظة من المواعظ القرآنية تنبههم عن الغفلة من جهة الله تعالى مجدد تنزيله بحسب المصلحة إلا وقد جددوا إعراضا عنه على وجه التكذيب. فَقَدْ كَذَّبُوا أي بلغوا النهاية في رد الذكر الذي يأتيهم ردا مقارنا للاستهزاء به حيث جعلوه تارة سحرا، وأخرى أساطير وأخرى شعرا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أي سيأتيهم مصداق استهزائهم من العقوبات العاجلة والآجلة أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ أي أفعل كفار مكة الإعراض عن الآيات والتكذيب والاستهزاء بها، ولم ينظروا إلى عجائب الأرض الزاجرة عما فعلوا الداعية إلى الإيمان بالآيات كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) أي كثيرا من كل صنف مرضى في جماله، وفي فوائده أنبتنا في الأرض، إِنَّ فِي ذلِكَ الإنبات لَآيَةً عظيمة دالة على كمال قدرة المنبت، وغاية وفور عمله وحكمته ونهاية سعة رحمته وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) أي وما أكثر قومه صلّى الله عليه وسلّم مؤمنين أي مع ذلك يستمر أكثرهم على كفرهم، وكان صلة عند سيبويه، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩) أي إن ربك غالب على الأمور، ومع ذلك رحيم بعباده، ولذلك يمهلهم ولا يؤاخذهم بغتة بما اجترءوا عليه من العظائم الموجبة لفنون العقوبات. وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أي واذكر يا أكرم الرسل لأولئك المعرضين المكذبين وقت ندائه تعالى موسى عليه السلام، وذكرهم بما جرى على قوم فرعون بسبب تكذيبهم إياه زجرا لهم عن التكذيب.
قال أبو الحسن الأشعري: المسموع هو الكلام القديم، فكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات مع أنها مرئية في الآخرة من غير كيف ولا جهة، فكذا كلامه منزه عن مشابهة الحروف والأصوات مع أنه مسموع.
وقال أبو منصور الماتريدي: الذي سمعه موسى عليه السلام كان نداء من جنس الحروف والأصوات لأنا حكمنا بأن كل موجود يصح أن يرى ولم يثبت أنا نسمع الأجسام فلم يلزم صحة كون كل موجود مسموعا. أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) أي بالكفر والمعاصي واستعباد بني