للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْفُسِكُمْ

من العزم على ما نهيتم عنه فَاحْذَرُوهُ بالاجتناب عن العزم على ذلك وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن يقلع عن عزمه خشية منه تعالى حَلِيمٌ (٢٣٥) لا يعاجلكم بالعقوبة عن ذنوبكم لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً.

وقرأ حمزة والكسائي «تماسوهن» بضم التاء وبالألف بعد الميم، أي لا ثقل عليكم بلزوم المهر إن طلقتم النساء ما لم تجامعوهن أو ما لم تبينوا لهن مهرا فلا تعطوهن المهر. وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) أي أعطوهن متعة الطلاق جبرا لا يحاش الطلاق على الغني قدر ماله وإمكانه وعلى ضيق الرزق قدر ماله وطاقته تمتيعا بالوجه الذي تستحسنه الشريعة والمروءة واجبا على المؤمنين الذين يحسنون إلى أنفسهم بالمسارعة إلى طاعة الله تعالى، لأن المتعة بدل المهر. نزلت هذه الآية في شأن رجل من الأنصار تزوج امرأة ولم يسم لها صداقا ثم طلقها قبل أن يمسها

فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أمتعها» . قال: لم يكن عندي شيء، قال:

«متعها بقلنسوتك»

«١» . وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أي تجامعوهن وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً أي وقد بينتم مهورهن فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ أي فنصف ما بينتم ساقط إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ إلا أن تسهل الزوجات بإبراء حقها فيسقط كل المهر أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ أي أو يسهل الزوج ببعث كل الصداق فيثبت الكل إليها. وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى أي عفو بعضكم أيها الرجال والنساء أقرب للألفة وطيب النفس من عدم العفو الذي فيه التنصيف.

وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ أي ولا تتركوا أن يتفضل بعضهم على بعض بأن يسلم الزوج المهر إليها بالكلية، أو تترك المرأة المهر بالكلية إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ من الفضل والإحسان بَصِيرٌ (٢٣٧) لا يضيع فضلكم وإحسانكم بل يجازيكم عليه. حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ الخمس بأدائها في أوقاتها كاملة الأركان والشروط. وهذه المحافظة تكون بين العبد والرب كأنه قيل له:

احفظ الصلاة ليحفظك الإله الذي أمرك بالصلاة وتكون بين المصلي والصلاة فكأنه قيل: احفظ الصلاة حتى تحفظك الصلاة. وَالصَّلاةِ الْوُسْطى أي الفضلى. قيل: هي صلاة الصبح، وهو قول علي وعمر، وابن عباس وجابر، وأبي أمامة والباهلي- وهم من الصحابة- وطاوس وعطاء وعكرمة ومجاهد- وهم من التابعين- وهو مذهب الشافعي. فإن أولها يقع في الظلام فأشبهت صلاة الليل، وآخرها يقع في الضوء فأشبهت صلاة النهار. ولأنها منفردة في وقت واحد لا تجمع مع غيرها، ولأنها مشهودة لأنها تؤدي بحضرة ملائكة الليل وملائكة النهار وقيل: هي صلاة العصر وهو مروي عن علي وابن مسعود، وابن عباس وأبي هريرة فإنها متوسطة بين صلاة شفع وصلاة وتر، ولأن وقت صلاة العصر أخفى الأوقات فلا يظهر دخول وقتها إلا بنظر دقيق وتأمل عظيم في حال الظل، فلما كانت معرفته أشق كانت الفضيلة فيها أكثر.


(١) رواه المتقي الهندي في كنز العمال (٢٧٩٢٣) ، وفيه «ولو بصاع»

<<  <  ج: ص:  >  >>