متجاوزين عبادة الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أي سبيل الهدى، فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) بسبب ذلك أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ مفعول له للصد أو التزيين على حذف اللام، أي فصدهم لأن لا يسجدوا له تعالى، أو زين لهم أعمالهم، لأن لا يسجدوا بتخفيف اللام.
فالأحرف تنبيه واستفتاح، و «يا» بعدها حرف تنبيه أيضا، أو نداء. والمنادى محذوف تقديره:
يا هؤلاء اسجدوا، و «اسجدوا» فعل أمر، فكان حق الخط على هذه القراءة أن يكون «يا اسجدوا» ، ولكن الصحابة أسقطوا ألف «يا» ، وهمزة الوصل خطأ لما سقطا لفظا، ووصلوا الياء بسين «اسجدوا» فاتّحدت القراءتان لفظا وخطا، واختلفا تقديرا، وعلى هذه القراءة فالوقف على «يهتدون» تام، ولو وقف على «يا» بمعنى: ألا يا هؤلاء، ثم ابتدئ ب «اسجدوا» جاز بخلاف قراءة الباقين بإدغام النون في «لا» ، فالوقف على «لا يهتدون» جائز.
وقرأ الأعمش «هلا» وهي حرف، وعبد الله بقلب الهمزة هاء. وقرأ أبي «ألا يسجدون أي لم لا يسجدون لله كما قاله ابن عباس. وعن عبد الله «هلا تسجدون» بمعنى «ألا تسجدون» على الخطاب، و «هلا» يحتمل أن يكون استئنافا من جهة الله تعالى، أو من سليمان عليه السلام.
قال أهل التحقيق: قوله: أَلَّا يَسْجُدُوا يجب أن يكون بمعنى الأمر، لأنه لو كان بمعنى المنع من السجود لم يكن معنى لوصفه تعالى باستحقاق السجود للاتصاف بكونه تعالى قادرا على إخراج الخبء عالما بكل شيء. الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والجار المجرور متعلق بالخبء أي الذي يظهر المخفي فيهما من المطر والنبات، ومتعلق ب «يخرج» على أن فيه معنى «من» كما قاله الفراء وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) من الأحوال فيجازيكم بها.
وقرأ الكسائي وحفص بالتاء الفوقية فتأويل قراءة حفص في «ألا يسجدوا» أنه خرج إلى خطاب الحاضرين بعد أن أتم قصة أهل سبأ والخطاب على قراءة الكسائي ظاهر. والباقون بالغيبة لتقدم ضمائر الغيبة في قوله: أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ فهم وهي غير ظاهرة. وقرئ «ألا تسجدون لله الذي يخرج الخبء من السماء والأرض، ويعلم
سركم وما تعلنون» . اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) أي فعرش الله عظيم بالنسبة إلى جميع المخلوقات من السموات والأرض وما بنيهما. وقرئ «العظيم» بالرفع على أنه صفة الرب، ولما ذكر الهدهد قصة بلقيس لم يتغير سيدنا سليمان عليه السلام لذلك، ولم يستفزه الطمع لما سمع من ملكها كعادة الملوك في الطمع في ملك غيرهم، فلما ذكر الهدهد عبادة بلقيس وقومها غير الله، اغتاظ سيدنا سليمان وأخذته حمية الدين، وجعل يبحث عن تحقيق. قالَ سليمان للهدهد: سَنَنْظُرُ أي سنتعرف في مقالتك بالتجربة أَصَدَقْتَ فيه أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) وفي هذا دليل على أن خبر الواحد لا يثبت العلم، وعلى أن الوالي يجب أن يقبل عذر من في صورة المجرمين إذا صدق في اعتقاده، اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ أي إلى من يعبدون الشمس ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ أي تنح إلى مكان