مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ أي لم يصل علمك إلى الذين خرجوا من منازلهم لقتال عدوهم وهم ثمانية آلاف أو أربعون ألفا- كل ذلك عن ابن عباس على اختلاف الرواة- فجبنوا عن القتال مخافة القتل فأماتهم الله مكانهم ثم أحياهم بعد ثمانية أيام.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن ملكا من ملوك بني إسرائيل أمر عسكره بالقتال فخافوا القتال وقالوا لملكهم: إن الأرض التي تذهب إليها فيها الوباء فنحن لا نذهب إليها حتى يزول ذلك الوباء، فأماتهم الله تعالى بأسرهم وبقوا ثمانية أيام حتى انتفخوا وبلغ بني إسرائيل موتهم فخرجوا لدفنهم، فعجزوا من كثرتهم فحظروا عليهم حظائر، فأحياهم الله بعد الثمانية، وبقي فيهم شيء من ذلك النتن وبقي ذلك في أولادهم إلى هذا اليوم إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ أي على أولئك القوم بسبب أنه أحياهم ومكّنهم من التوبة وعلى العرب الذين أنكروا المعاد الذين تمسكوا بقول اليهود في كثير من الأمور فيرجعون من الإنكار إلى الإقرار بالبعث بسبب إخبار اليهود لهم بهذه الواقعة. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) فضله تعالى كما ينبغي أما الكفار فلم يشكروا وأما المؤمنون فلم يبلغوا غاية شكره. وهذه القصة تدل على أن الحذر من الموت لا يفيد، فهذه القصة تشجع الإنسان على الإقدام على طاعة الله تعالى كيف كان وتزيل عن قلبه الخوف من الموت، فكان ذكر هذه القصة فضلا وإحسانا من الله تعالى على عبيده لأن ذكر هذه القصة سبب لبعد العبد عن المعصية وقربه من الطاعة. ثم قال الله لهم بعد ما أحياهم:
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة الله مع عدوكم وسميت العبادات سبيلا إلى الله تعالى من حيث إن الإنسان يسلكها ويتوصل إلى الله بها، ومعلوم أن الجهاد تقوية للدين فكان طاعة فلا شك أن المجاهد مقاتل في سبيل الله. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لكلامكم في ترغيب الغير في الجهاد وفي تنفير الغير عنه عَلِيمٌ (٢٤٤) بما في صدوركم من البواعث والأغراض وأن ذلك الجهاد لغرض الدين أو لغرض الدنيا مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً.
قرأ أبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي «فيضاعفه» بالألف والرفع. وقرأ عاصم «فيضاعفه» بالألف والنصب. وقرأ ابن كثير «فيضعفه» بالتشديد والرفع بلا ألف. وقرأ ابن عامر «فيضعفه» بالتشديد والنصب. والمعنى من ذا الذي يعامل الله بإنفاق ماله في طاعته سواء كان الإنفاق واجبا أو متطوعا به معاملة جامعة للحلال الذي لا يختلط بالحرام للخالص من المن والأذى، ولنية التقرب إلى الله تعالى لا لرياء وسمعة فيضاعف الله جزاءه له في الدنيا والآخرة أضعافا كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى. وقد
روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:«من لم يكن عنده ما يتصدق به فليلعن اليهود فإنه له صدقة»
. ويروى أنه لما نزلت هذه الآية قالت اليهود: إن الله فقير ونحن أغنياء فهو يطلب منا القرض وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ أي يقبض الرزق عمن يشاء ولو أمسكه عن الإنفاق ويبسطه على من يشاء ولو أنفق منه كثيرا، أو المعنى والله يفيض بعض القلوب حتى لا تقدم على هذه الطاعة