التقليب لمنافع الخلق وأن في بعثة الأنبياء إلى الخلق منافع عظيمة فقد ثبت أن هذه الكلمة كافية في إقامة الدلالة على تصحيح الأصول الثلاثة. وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، أي واذكر لهم وقت نفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية، فإذا سمع الخلق شدة صوت ذلك النفخ بحيث لا تتحمله طبائعهم يفزعون عنده ويموت كل من كان حيا ذلك الوقت لم يسبق له موت أو كان ميتا، لكنه حي في قبره كالأنبياء والشهداء. إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ أن لا يفزع.
قيل: هم الشهداء يتقلدون أسيافهم حول العرش، فإنهم أحياء عند ربهم لا يصل الفزع إليهم. وقيل: هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام. وقيل: الحور وخزنة النار وحملة العرش. وقيل: منهم موسى عليه السلام لأنه صعق مرة. وقال القشيري: والأنبياء داخلون في الشهداء لأن لهم الشهادة. وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧) أي كل واحد من المبعوثين عند النفخة حضروا الموقف للسؤال والجواب، والحساب ذليلين مطيعين.
وقرأ حفص وحمزة «أتوه» بصيغة الفعل الماضي وهو بقصر الهمزة وفتح التاء. والباقون بصيغة اسم الفاعل فهو بمد الهمزة وضم التاء. وقرئ «أتاه» باعتباره لفظ كل. وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ أي وتبصر الجبال وقت النفخة تظنها ثابتة في أماكنها. والحال أنها تمرمر السحاب التي تسيّرها الرياح سيرا سريعا، فسير الجبال يوم القيامة لا يرى لعظمها كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ أي صنع الله الذي أحسن خلقه، وأتى به على الحكمة ذلك النفخ في الصور وما تفرغ منه من الأمور صنعا و «صنع» منصوب على أنه مصدر مؤكد لمضمون ما قبله، أي فإن نفخ الصور المؤدي إلى الفزع العام وحضور الكل الموقف وما فعل بالجبال، إنما هو من صنع الله لا يحتمل غيره إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) أي إنه تعالى عالم بما يعمله أهل السعادة والشقاوة من الخير والشر.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالتحتية على الغيبة. والباقون بالفوقية على الخطاب مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها أي من جاء يوم القيامة بكلمة الشهادة فله من الجزاء ما هو خير منها، باعتبار أن الثواب دائم، وأنه من فعل الله، وأنه حاصل من جهة الله تعالى، فإن المعرفة النظرية الحاصلة في الدنيا جزاؤها المعرفة الضرورية الحاصلة في الآخرة، ولذة النطر إلى وجه الله تعالى وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) .
وقرأ الكوفيون «فزع» بالتنوين فحينئذ كان «يومئذ» ظرفا ل «آمنون» ، أو المحذوف هو صفة ل «فزع» أي والذين جاءوا بالحسنات آمنون من فزع كائن، يوم إذ وقعت هذه الأحوال العظيمة، وعلى هذا فالفزع على نوعين فزع من خوف العقاب، وفزع شديد مفرط الشدة لخوف النار أما ما يلحق الإنسان من الرعب عند مشاهدة الأهوال فلا ينفك منه أحد. وقرأ الباقون بإضافة «فزع» ، وقرأ نافع والكوفيون بفتح الميم من «يومئذ» وهو فتحة بناء لإضافة «يوم» المبني.