للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوابل والمراضع والقذف في اليم، وقتل القبطي، وأنهم يطلبونه ليقتلوه. فقال شعيب: لا تخف نجوت من القوم الظالمين، أي لأنا لسنا في مملكة فرعون.

وروي أن موسى لما دخل على شعيب فإذا الطعام موضوع، فقال شعيب: تناول يا فتى فقال موسى عليه السلام: أعوذ بالله. قال شعيب: ولم ذلك؟ قال: لأنا من أهل البيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهبا ولا نأخذ على المعروف عوضا. فقال شعيب: عادتي وعادة آبائي إطعام الضيف، فجلس موسى فأكل وإنما كره أكل الطعام خشية أن يكون ذلك أجرة له على عمله.

قالَتْ إِحْداهُما- وهي التي دعته إلى أبيها، وهي التي تزوجها موسى- يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ اتخذه أجيرا لرعي أغنامنا إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) .

روي أن شعيبا أخذته الغيرة فقال: وما أعلمك بقوته وأمانته؟ فذكرت ما شاهدته منه عليه السلام من كيفية السقي ورفع الصخرة من فم البئر، ومن غض بصره حال ذودهما الماشية، وحال سقيه لهما، وحال مشيه أمامها إلى أبيها. قالَ أي شعيب لموسى عند ذلك: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ أي الحاضرتين عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ أي مشروطا على أن تأجرني نفسك في رعي غنمي ثماني سنين فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً من السنين في العمل فَمِنْ عِنْدِكَ أي فالتمام من عندك بطريق التفضل لا من عندي بطريق الإلزام عليك، وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ بإلزام أتم الأجلين، ولا أكلفك الاحتياط الشديد في كيفية الرعي بل أساهلك فيها بقدر الإمكان، سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) في حسن المعاملة وغيره، وإنما قال شعيب: إن شاء الله، للتبرك ولتفويض أمره إلى معونته تعالى، لا لتعليق صالحه بمشيته تعالى.

قالَ موسى: ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أي ذلك الشرط ثابت بيننا جميعا لا يخرج عنه واحد منا، أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أي أيّ أحد الوقتين وفيتكه بأداء الخدمة فيه فلا إثم علي فكما لا إثم علي في قضاء الأكثر لا إثم علي في قضاء الأقصر فقط. وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ من الشرط الجاري بيننا وَكِيلٌ (٢٨) ، أي شاهد، ولما تم العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه وفي بعض الأخبار أن موسى لما عقد العقد مع شعيب وأصبح من الغدو أراد الرعي، قال له شعيب عليه السلام: اذهب بهذه الأغنام فإذا بلغت مفرق الطريق، فخذ على يسارك ولا تأخذ على يمينك، وإن كان الكلأ بها أكثر فإن بها تنينا عظيما فأخشى عليك وعلى الأغنام منه، فذهب موسى بالأغنام فلما بلغ مفرق الطريق أخذت الأغنام ذات اليمين فاجتهد موسى على أن يردها فلم يقدر، فسار على أثرها فرأى عشبا كثيرا، ثم إن موسى عليه السلام نام والأغنام ترعى وإذا بالتنين قد جاء فقامت عصا موسى، فقاتلته حتى قتلته، وعادت إلى جنب موسى وهي دامية فلما استيقظ موسى، رأى العصا دامية والتنين مقتولا فارتاح لذلك، وعلم أن لله تعالى في تلك العصا آية، وعاد إلى شعيب وكان ضريرا فمس الأغنام، فإذا هي أحسن حالا مما

<<  <  ج: ص:  >  >>