وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر، وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أي واذكر وقت قولك للذي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه، بالاعتاق وهو زيد بن حارثة أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ زينب، أي لا تطلقها وذلك
أنه صلّى الله عليه وسلّم أبصرها قائمة في درع وحمار بعد ما أنكحها إياه، فوقعت في نفسه حالة جبلية لا يكاد يسلم منها البشر. فقال:«سبحان الله مقلب القلوب» » وسمعت زينب بالتسبيحة، فذكرتها لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها، فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: أريد أن أفارق صاحبتي. فقال: ما لك أرابك منها شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلّا خيرا، ولكنها تتعاظم علي بشرفها. فقال له: أمسك عليك زوجك
أي لا تفارقها. وَاتَّقِ اللَّهَ في أمرها فلا تطلقها تعللا بتكبرها عليك بسبب النسب وعدم الكفاءة، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ أي والحال أنك تخفي في نفسك ما أعلمك الله أنها ستصير من أزواجك بعد طلاق زيد، وَتَخْشَى النَّاسَ وتستحي من تعيير الناس إياك بأن يقولوا: أخذ محمد زوجة ابنه وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، أي والحال أن الله وحده أحق أن تستحي منه. فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً أي فلما وطئها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها زَوَّجْناكَها أي جعلنا زينب زوجتك بلا واسطة عقد، فدخل صلّى الله عليه وسلّم عليها بغير إذن ولا تجديد عقد، ولا تقرير صداق، ولا شيء مما يكون شرطا في حقوقنا، وأ ولم عليها بشاة، وأطعم الناس خبزا ولحما حتى تركوه.
وعن أنس قال: ما أولم النبي صلّى الله عليه وسلّم على أحد من نسائه كما أولم على زينب. لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً، أي لكيلا يكون على المؤمنين ضيق في تزوج نساء من تبنوهم إذا قضوا منهن حاجة بالدخول بهن، ثم الطلاق وانقضاء العدة، فإن لهم في رسول الله أسوة حسنة. والمعنى: زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي تبنيته ليعلم أن زوجة المتنبي حلال للمتبني ولو بعد الدخول بها، وفي هذا التعليل إشارة إلى أن التزوج من النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن لقضاء شهوته بل لبيان الشريعة بفعله، فإن الشرع يستفاد من فعل النبي وقوله: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٣٧) أي وكان مراد الله موجودا في الخارج لا محالة، ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، أي ليس على النبي مأثم فيما رخص الله له من التزوج سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ أي سن الله ذلك سنة في الذين مضوا من قبل محمد، فإن داود عليه السلام افتتن بامرأة أوريا، وسليمان عليه السلام تزوج بلقيس، ولقد كانت لداود عليه السلام مائة امرأة وثلاثمائة سرية، ولسليمان عليه السلام ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية فإن اليهود عابوا النبي صلّى الله عليه وسلّم بكثرة النساء، فرد الله عليهم بقوله: سنة الله، أي كسنة الله في الأنبياء الذين من قبل محمد. وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) أي وكان قضاء الله حكما مبتوتا، والقضاء ما كان مقصودا في الأصل، والقدر ما
(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٥: ٢٦٥) ، والبغوي في شرح السنّة (٢: ٣٢٢) .