الله بكافة المؤمنين رحيما. تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ، أي ما يحيون به يوم لقاء الله عند الموت، أو عند الخروج من القبور، أو عند دخول الجنة تسليم عليهم من الله تعالى، تعظيما لهم. أو من الملائكة بشارة لهم بالجنة، أو تكرمة لهم. وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤) أي ثوابا حسنا في الجنة.
وهذا ترغيب ببيان أن الأجر الذي هو المقصد الأقصى موجود بالفعل مهيّأ لهم. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على من بعثت إليهم، تشاهد أعمالهم. فالنبي بعث في الدنيا متحملا للشهادة، ويكون في الآخرة مؤديا لما تحمله. وَمُبَشِّراً للمؤمنين بالجنة، وَنَذِيراً (٤٥) للكافرين بالنار، وَداعِياً إِلَى اللَّهِ أي إلى دينه، بِإِذْنِهِ. وهذا راجع إلى «داعيا» . وذلك كما إذا قال شخص: من يطع الملك يسعد، ومن يعصه يشقى، فيكون مبشرا ونذيرا ولا يحتاج في ذلك إلى إذن من الملك، وأما إذا قال: تعالوا إلى سماطه واحضروا على خوانه فيحتاج في ذلك إلى إذنه.
وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) يستضاء به في ظلمات الجهل ويهتدي بأنواره إلى مناهج الرشد. وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (٤٧) على سائر الأمم المؤمنين في الزيادة على أجور أعمالهم قوله: وَبَشِّرِ عطف على مفهوم. والتقدير: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا، فاشهد وبشر. وقيل:
لما نزل قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ١، ٢] قال المؤمنون: هنيئا لك يا رسول الله بالمغفرة، فما لنا عند الله تعالى؟ فقال الله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ الآية. وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ أي ولا تطع الكافرين من أهل مكة، أبا سفيان وأصحابه. والمنافقين من أهل المدينة عبد الله بن أبي وأصحابه، أي لا تترك إبلاغ شيء مما أمرت، وَدَعْ أَذاهُمْ أي دع أذيتهم إياك إلى الله، فإنه يعذبهم بأيديكم وبالنار، أو لا تبال بأذيتهم لك بسبب تصلبك في الدعوة والإنذار، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ في كل ما تأتي وما تذر فإنه تعالى يكفيكهم، وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (٤٨) أي موكولا إليه الأمور في كل الأحوال.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ أو الكتابيات، ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ.
وقرأ حمزة والكسائي «تماسوهن» بضم التاء ومد الميم، أي من قبل أن تجامعوهن. فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ بالشهور أو الحيض تَعْتَدُّونَها أي تستوفون أنتم عددها، فَمَتِّعُوهُنَّ أي أعطوهن ما يتمتعن به وهو المتعة الواجبة للمفارقة في الحياة، إذا كانت مدخولا بها، أو غير مدخول بها، وكانت مفوضة ولم يفرض لها شيء قبل الفراق، وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (٤٩) أي أخرجوهن من منازلكم من غير ضرار ولا منع حق. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ أي أعطيت مهورهن وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ، أي مما فتح الله عليك مثل: صفية بنت حيي النضرية، وريحانة القرظية، وجويرية بنت الحرث الخزاعية وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ من بني عبد المطلب وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ من بني عبد مناف بن زهرة اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ، ذكر للنبي ما هو الأولى، فإن الزوجة التي أوتيت مهرها أطيب قلبا من