أي لم ينذر آباؤهم الأقربون لتطاول مدة الفترة، لأن قريشا لم يبعث إليهم نبي قبل نبينا صلّى الله عليه وسلّم، ف «ما» نافية، والجملة صفة ل «قوما» ويصح كونها موصولة أي الذين أنذر آباؤهم الأقدمون ويصح كونها مصدرية فيكون نعتا لمصدر مؤكد، أي لتنذر قوما إنذارا كائنا مثل إنذار آبائهم الأقدمين من العذاب فَهُمْ أي القوم وآباؤهم الأقربون غافِلُونَ (٦) عن أمر الآخرة، جاحدون بها، أو فهؤلاء القوم غافلون عما أنذر آباؤهم الأقدمون لامتداد المدة لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ، أي لقد حقت كلمة العذاب العاجل على أكثر أهل مكة أبي جهل وأصحابه، فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) أي في علم الله وقتلوا يوم بدر على الكفر إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ أي فالأغلال منتهية إلى أذقانهم فلا تدعهم يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رؤوسهم، له فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) ، أي رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم بحيث لا يكادون يرون الحق وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا، أي وجعلنا مع ما ذكر من أمامهم سدا عظيما، ومن ورائهم كذلك فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) أي فغطينا بهذين السدين أبصارهم فهم بسبب ذلك لا يقدرون على إبصار شيء ما أصلا، وقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا إلخ كناية عن منع الله إياهم عن الاهتداء، وهو تمثيل حالهم بحال من غلت أعناقهم، وقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا إشارة إلى أنهم لا ينتهجون سبيل الرشاد فلا يبصرون الحق لمكان السد، ولا ينقادون لك لمكان الغل. وقيل: نزلت هذه الآيات في أبي جهل بن هشام وصاحبيه المخزومين وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخن رأسه بحجر، فلما رآه يصلي ذهب إليه فرفع حجرا ليرميه، فلما أومأ إليه رجفت يداه إلى عنقه، والتصق الحجر بيده إلى عنقه، فلما عاد إلى أصحابه أخبرهم بما رأى قال الوليد بن المغيرة، أنا أرضخ رأسه فأتاه وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر، فأعمى الله بصره، فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقال: والله ما رأيته ولقد سمعت صوته! فقال الرجل الثالث: والله لأشدخن رأسه، ثم أخذ الحجر وانطلق، فرجع القهقرى ينكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه، فقيل له: ما شأنك؟ قال: شأني عظيم رأيت الرجل، فلما دنوت منه فإذا فحل يخطر بذنبه ما رأيت قط فحلا أعظم منه، حال بيني وبينه فو اللات والعزى لو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ أي إنا جمعنا أيمانهم إلى الأذقان حين أرادوا أن يرجموا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالحجارة وهو في الصلاة فها هم مغلولون من كل خير، محرومون، وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ أي وجعلنا من أمامهم سترا حيث أرادوا أن يرجموا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالحجارة وهو في الصلاة، فلم يبصروا النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن خلفهم سدا حتى لا يبصروا أصحابه، فغطينا أبصارهم فهم لا يبصرون النبي صلّى الله عليه وسلّم فيؤذوه.