الموضع الذي ذكروا فيه تلك الكلمات، وذلك الموضع هو مكة، وذلك الانهزام يوم فتح مكة فكيف يكونون مالكي السموات والأرض وما بينهما ومن أين لهم التصرف في الأمور الربانية؟
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ أي قبل قومك يا أكرم الرسل قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) ، كان ينصب الخشب في الهواء، وكان يمد يدي المعذب ورجليه إلى تلك الخشب الأربع، ويضرب على كل واحد من هذه الأعضاء وتدا ويتركه في الهواء إلى أن يموت.
وقال مجاهد: كان يمد المعذب مستليقا بين أربعة أوتاد في الأرض يشد رجليه ويديه ورأسه على الأرض بالأوتاد. قال السدي: ويرسل عليه العقارب والحيات. وقيل: إن عساكره كانوا كثيرين، وكانوا كثيري الأهبة، عظيمي النعم. وكانوا يكثرون من الأوتاد لأجل الخيام، فعرف بها. وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أي الأشجار المجتمعة من قوم شعيب عليه السلام، أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) أي الذين تحزبوا على أنبيائهم عليهم السلام، إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ أي ما كل حزب منهم إلّا كذب الرسل كما كذبك قومك، فَحَقَّ عِقابِ (١٤) أي فوقع على كل منهم عقابي، فأهلك الله قوم نوح بالغرق والطوفان، وقوم هود بالريح، وفرعون مع قومه بالغرق، وقوم صالح بالصيحة، وقوم لوط بالخسف، وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة. وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً أي وما ينتظر كفار مكة إن كذبوك إلا نفخة ثانية، ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) أي من توقف.
وقرأ حمزة والكسائي بضم الفاء. وَقالُوا رَبَّنا بطريق الاستهزاء عند سماعهم بتأخير عقابهم إلى الآخرة عَجِّلْ لَنا قِطَّنا أي حظنا من العذاب الذي توعدنا به، قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) ولا تؤخره إلى يوم الحساب الذي مبدؤه النفخة الثانية. وقيل: إنهم قالوا ذلك حين ذكر الله في كتابه فأما من أوتي كتابه بيمينه وأما من أوتي كتابه بشماله. فالمعنى: عجل لنا صحيفة أعمالنا قبل يوم الحساب لننظر ما فيها ولنعلمه. وقيل: لما ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعد الله تعالى المؤمنين بالجنة فقالوا ذلك على سبيل السخرية. فالمعنى: عجل لنا نصيبنا من الجنة التي تقول في الدنيا، وذلك لأنهم كانوا في غاية الإنكار للقول بالنشر والحشر. ولما بلغوا في السفاهة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمره الله تعالى بالصبر على سفاهتهم فقال: اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ من أمثال هذه المقالات الباطلة والوقف هنا تام. وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ أي ذا القوة على أداء الطاعة وعلى الاحتراز عن المعاصي، إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) أي رجاع في أموره كلها إلى طاعتنا، إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ بطريق الاقتداء به في عبادة الله تعالى، يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) أي يقدسن الله تعالى بخلق الله تعالى فيها الكلام، فكان داود يسبح عقب صلاته عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً، أي وسخرنا الطير محشورة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان داود إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح، واجتمعت إليه