قيل: لما نزل قوله تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله بعث عبد الرحمن بن عوف إلى أصحاب الصفة بدنانير وبعث علي رضي الله عنه بوسق من تمر ليلا فنزلت هذه الآية.
وقال ابن عباس: إن عليا رضي الله عنه ما يملك غير أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم علانية. فقال صلّى الله عليه وسلّم:«ما حملك على هذا؟» فقال: أن أستوجب ما وعدني ربي. فقال:«لك ذلك» . فأنزل الله تعالى هذه الآية
. وقيل: نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدق بأربعين ألف دينار عشرة بالليل وعشرة بالنهار، وعشرة في السر، وعشرة في العلانية. وأخرج ابن المنذر عن ابن المسيب أنها نزلت في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان.
وقال الأوزاعي نزلت في الذين يربطون الخيل للجهاد وينفقون عليها الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا أي يأخذونه استحلالا لا يَقُومُونَ من قبورهم إذا بعثوا إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ أي إلا قياما كقيام الذي يتخبله الشيطان من إصابة الشيطان بالجنون في الدنيا، أي أن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا، وذلك كالعلامة المخصوصة بآكل الربا، فيعرفه أهل الموقف بتلك العلامة أنه آكل الربا في الدنيا فعلى هذا معنى الآية أنهم يقومون مجانين كمن أصابه الشيطان بالجنون. ذلِكَ أي كون التخبل علامة آكل الربا في الآخرة بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا أي إنما الزيادة في البيع كالزيادة في الربا، أي ذلك العذاب بسبب أنهم نظموا الربا والبيع في سلك واحد لإفضائهما إلى الربح، فاستحلوه استحلاله وقالوا: يجوز بيع درهم بدرهمين كما يجوز بيع ما قيمته درهم بدرهمين، بل جعلوا الربا أصلا في الحل وقاسوا به البيع مع وضوح الفرق بينهما فإن أحد الدرهمين في الأول ضائع حتما وفي الثاني منجبر بمساس الحاجة إلى السلعة أو بتوقع رواجها. وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا أي أحل الله لكم الأرباح في التجارة بالبيع والشراء وحرم الربا الذي هو زيادة في المال لأجل تأخير الأجل فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ أي زجر وتخويف عن الربا مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى أي امتنع عن أخذه فَلَهُ ما سَلَفَ.
قال السدي: أي له ما أكل من الربا وليس عليه ردما سلف فأما ما لم يقض بعد النهي فلا يجوز له أخذه وإنما رأس ماله فقط وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ أي يجازيه على انتهائه عن أخذه إن كان عن قبول الموعظة وصدق النية وَمَنْ عادَ إلى تحليل الربا بعد التحريم فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ أي ملازموها هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) أي ماكثون أبدا يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا أي يهلك المال الذي دخل فيه في الدنيا والآخرة.
قال ابن عباس: إن الله تعالى لا يقبل منه صدقة ولا جهادا ولا حجا ولا صلة رحم. وَيُرْبِي