وَبَعْدَهُ يَجُوزُ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا فِي مَكَان يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَلَوْ أَخَذَهُ وَسَلَّمَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي الْآبِقِ وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي أَرْضِهِ الصَّيْدُ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ أَخْذِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلِهَذَا لَوْ بَاضَ فِيهَا بَيْضًا أَوْ تَنَكَّسَ الصَّيْدُ أَوْ تَكَسَّرَ يَكُونُ لِمَنْ أَخَذَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ إيَّاهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَسَّلَ فِيهِ النَّحْلُ حَيْثُ يَمْلِكُهُ لِأَنَّ الْعَسَلَ قَائِمٌ بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ كَالْأَشْجَارِ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ كَالثِّمَارِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُهَيِّئْ أَرْضَهُ لِذَلِكَ فَإِنْ هَيَّأَهَا لَهُ بِأَنْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا لِلِاصْطِيَادِ أَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَدَخَلَ فِيهِ صَيْدٌ أَوْ تَعَقَّلَ بِهِ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ التَّهْيِئَةَ أَحَدُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَطَّ طَسْتًا لِيَقَعَ فِيهِ الْمَطَرُ فَوَقَعَ فِيهِ مَلَكَهُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ بَسَطَ ذَيْلَهُ عِنْدَ النِّثَارِ لِيَقَعَ فِيهِ الشَّيْءُ الْمَنْثُورُ مَلَكَهُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ كَانَ الصَّيْدُ لَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فِي الطَّيْرِ لَا يَكُونُ لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ (وَالْحَمْلِ وَالنِّتَاجِ) فَالْحَمْلُ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ وَالنِّتَاجُ مَا يَحْمِلُهُ هَذَا الْحَمْلُ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تَنْتِجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ تَحْبَلُ الَّتِي نَتَجَتْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضَرْعِهَا إلَّا بِكَيْلٍ وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ وَعَنْ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا وَقَدْ «نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْغَرَرُ مَا يَكُونُ مَجْهُولَ الْعَاقِبَةِ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا وَالْحَبَلَةُ هُوَ الْحَبَلُ وَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْجَنِينُ كَمَا سُمِّيَ بِالْحَمْلِ وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ التَّاءُ لِلْإِشْعَارِ بِالْأُنُوثَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ مَا سَيَحْمِلُهُ الْجَنِينُ إنْ كَانَ أُنْثَى وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
قَالَ (وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يُبَاعَ ثَمَرٌ حَتَّى يُطْعَمَ وَصُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ وَلَبَنٌ فِي ضَرْعٍ وَسَمْنٌ فِي لَبَنٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّهُ يَدِرُّ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ وَلِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاخًا مِنْ الرِّيحِ وَلَيْسَ فِيهِ لَبَنٌ.
قَالَ (وَاللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ) لِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا وَقَدْ نَهَى عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ فِيهِ وَلَا قَدْرُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ كَسْرُ الصَّدَفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَفَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْكَسْرِ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا قُلْنَا هُوَ مَجْهُولٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ تُرَابَ الذَّهَبِ وَالْحُبُوبَ فِي غِلَافِهَا حَيْثُ يَجُوزُ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَيُمْكِنُ تَجْرِبَتُهَا بِالْبَعْضِ أَيْضًا.
قَالَ (وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِمَا رَوَيْنَا) وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْجَزِّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْحَيَوَانِ لِقِيَامِهِ بِهِ كَسَائِرِ أَطْرَافِهِ وَلِأَنَّهُ يَزِيدُ مِنْ أَسْفَلَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ كَمَا قُلْنَا فِي اللَّبَنِ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْخِضَابِ وَبِخِلَافِ الْقَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُقْلَعُ وَالصُّوفُ يُقْطَعُ فَيَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَصَارَ مَالِيَّةُ اللَّحْمِ فِيهَا مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ وَكَوْنُهُ مَقْطُوعًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَمَا فِي الْكُرَّاثِ وَقَوَائِمِ الْخِلَافِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَالتَّعْلِيلِ بِمُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ، وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي الْكُرَّاثِ وَقَوَائِمِ الْخِلَافِ لِلتَّعَامُلِ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ.
قَالَ (وَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ) لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْحَمْلُ وَالنِّتَاجُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يَبِيعُ الْحَمْلَ وَالنِّتَاجَ، وَإِنَّمَا بَطَلَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْبَيْعِ لِمَعْنَى الْغَرَرِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ تُنْتِجُ تِلْكَ النَّاقَةُ أَمْ لَا تُنْتِجُ إنْ بَقِيَتْ فَرُبَّمَا هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تُنْتِجَ وَتَلِدَ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَمْتَازُ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا بَاعَ دَقِيقًا فِي هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ زَيْتًا فِي هَذَا الزَّيْتُونِ أَوْ دُهْنًا فِي السِّمْسِمِ أَوْ عَصِيرًا فِي الْعِنَبِ أَوْ سَمْنًا فِي اللَّبَنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَدَائِهِ إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْأَسْبَابِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ فَإِذَا أَفْضَى الْبَيْعُ إلَى ذَلِكَ لَزِمَ مَا قُلْنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَاللُّؤْلُؤُ فِي الصَّدَفِ) أَيْ وَلَوْ اشْتَرَى لُؤْلُؤَةً فِي صَدَفٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْحَيَوَانِ) أَيْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَيَوَانِ فَلَمَّا كَانَ تَبَعًا لَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ مَقْصُودًا بِإِرَادَةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا) أَيْ وَكُلُّ مَا يَزْدَادُ مِنْهَا يَزْدَادُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي الْكُرَّاثِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَسْفَلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْجِذْعُ مُتَعَيِّنًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْجِذْعُ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلْمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا فِي الْجِذْعِ الْمُتَعَيِّنِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمَعْنَى الثَّانِي الْجَهَالَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ اهـ