لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ ذَكَرَ مَوْضِعَ الْقَطْعِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَلَا يُقَالُ هُوَ بِنَفْسِهِ الْتِزَامُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِدُونِ الْعَقْدِ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْعَقْدُ لَمْ يُوجِبْ الضَّرَرَ فَيُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَيَتَحَقَّقُ النِّزَاعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بَعْضًا مَعْلُومًا مِنْ نُقْرَةِ فِضَّةٍ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ، وَلَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ الْجِذْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَسَلَّمَهُ عَادَ صَحِيحًا إنْ كَانَ قَبْلَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الْفَسَادِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَلَّدَ الْحَيَوَانَ وَذَبَحَهُ وَسَلَّمَهُ حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ بَاعَ خَمْرًا ثُمَّ تَخَلَّلَتْ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِزْرًا فِي بِطِّيخٍ وَنَحْوَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ شَقَّهُ وَسَلَّمَهُ، لِأَنَّ فَسَادَهُ لِاحْتِمَالِ الْعَدَمِ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْحُبُوبِ فِي أَغْلَافِهَا حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا مَعْلُومٌ، وَلِهَذَا سُمِّيَ بِهِ فَيُقَالُ هَذَا بَاقِلِّيٌّ وَهَذِهِ حِنْطَةٌ وَلَا يُقَالُ لِلْبِطِّيخِ هَذَا بِزْرٌ وَهُوَ الْفَارِقُ وَهَذَا فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْمُهَيَّأِ لِلُّبْسِ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ جَازَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ كَالْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ.
قَالَ (وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ أَوْ بِغَوْصِ الصَّائِدِ فِي الْمَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فِيهِ مُفَصَّلًا وَمُجْمَلًا وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَلَا يَجُوزُ.
قَالَ (وَالْمُزَابَنَةِ) وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَجْدُودٍ مِثْلَ كَيْلِهِ خَرْصًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَاضَرَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُزَابَنَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلَ كَيْلِهَا خَرْصًا وَالْمُخَاضَرَةُ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضِعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَذَا بَيْعُ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ خَرْصًا لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ فِيهِ «وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَمْثَالُهُ مِنْ النُّصُوصِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ هُوَ بِنَفْسِهِ الْتِزَامُ الضَّرَرِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهُ رَضِيَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُ اتِّفَاقًا فَيُسَلِّمُهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ فَيَنْقَلِبُ الْبَيْعُ صَحِيحًا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ بَاعَ جِذْعًا مِنْ سَقْفٍ أَوْ آجُرًّا مِنْ حَائِطٍ أَوْ ذِرَاعًا مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ مِنْ دِيبَاجٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَجْلِ الْمَضَرَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ الْجِذْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَسَلَّمَهُ عَادَ صَحِيحًا) أَيْ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَخْذِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِزْرًا فِي بِطِّيخٍ وَنَحْوِهِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ بَاعَ النَّوَاةَ فِي التَّمْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا إلَّا بِضَرَرٍ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ حَبَّ هَذَا الْقُطْنِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ هَكَذَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي نَزْعِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَقَّهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَقَّ التَّمْرَ وَالْبِطِّيخَ وَأَخْرَجَ النَّوَى وَالْبِزْرَ وَسَلَّمَ لَا يَعُودُ صَحِيحًا لِاحْتِمَالٍ فِي وُجُودِهِمَا زَمَانَ الْبَيْعِ وَلَيْسَ الْجِذْعُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ مَحْسُوسٌ وَلَا احْتِمَالَ فِيهِ وَالْبَزْرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ فِيهِ لُغَةٌ بِزْرُ الْبَقْلِ وَغَيْرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْمُهَيَّأِ لِلُّبْسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: كَالسَّرَاوِيلِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ كِرْبَاسًا لَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ قَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ. اهـ. .
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ) بِالْقَافِ وَالنُّونِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ وَهُوَ مِنْ الْقَنْصِ يُقَالُ قَنَصَ يَقْنِصُ قَنْصًا إذَا صَادَ وَرُوِيَ فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ عَنْ ضَرْبَةِ الْغَايِصِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ بَعْدَ الْأَلِفِ وَهُوَ غَوْصُ الصَّائِدِ فِي الْمَاءِ أَوْ غَوْصُ الرَّجُلِ فِي الْبَحْرِ لِأَجْلِ اللُّؤْلُؤِ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَانَ غَرَرًا وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ) أَيْ وَهُوَ عَلَى هَذَا مِنْ الْقَنْصِ يُقَالُ قَنَصَ يَقْنِصُ قَنْصًا إذَا صَادَ اهـ ق. (قَوْلُهُ: وَمُجْمَلًا وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَحْصُلَ شَيْءٌ مِنْ الضَّرْبَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْصُلَ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَالِكًا وَقْتَ الْعَقْدِ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرْبَةِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَهَذَا الْوَجْهُ مِمَّا سَمَحَ بِهِ خَاطِرُ الْأَتْقَانِيُّ كَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ) أَيْ وَجَهَالَةُ الْمَبِيعِ تُفْسِدُ الْبَيْعَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ الضَّرْبَةِ اهـ ق.
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمُزَابَنَةِ) قَالَ فِي الْفَائِقِ الْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالْمُدَافَعَةُ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَوَّلُ بِالثَّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِالثَّلَاثِ وَالثَّانِي بِاثْنَتَيْنِ كَذَا وَقَعَ سَمَاعُنَا مِرَارًا بِفَرْغَانَةَ وَبُخَارَى وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا عَلَى النَّخِيلِ قَدْ يَكُونُ رُطَبًا وَقَدْ يَكُونُ تَمْرًا إذَا جَفَّ فَقُلْنَا بِالثَّلَاثِ حَتَّى يَعُمَّهُمَا جَمِيعًا وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمَجْذُوذِ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا فَقُلْنَا بِالِاثْنَيْنِ وَلَوْ رَوَيَا بِالثَّلَاثِ فِيهِمَا جَمِيعًا أَوْ بِالِاثْنَتَيْنِ فِيهِمَا جَمِيعًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ لَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِشُبْهَةِ الرِّبَا سَوَاءٌ كَانَ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ أَوْ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: خِرْصًا) ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ خَرَصْت النَّخْلَ خَرْصًا مِنْ بَابِ قَتَلَ حَذِرْت ثَمَرَهُ وَالِاسْمُ الْخِرْصُ بِالْكَسْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ) أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا) وَهُوَ أَنْ يُبَاعَ بِخِرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. اهـ. هِدَايَةٌ