للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تُحْصَى كُلُّهَا مَشْهُورَةٌ وَتَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ وَالتَّفَاضُلُ مُحَرَّمٌ بِهِ، وَكَذَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا وَلَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَأَخِّرًا كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهَذَا لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّفَاضُلِ ثَابِتٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَاضَلَا بِيَقِينٍ أَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ فِي الْأَرْضِ وَمَعْنَى الْعَرَايَا فِيمَا رَوَاهُ الْعَطَايَا وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلَةٍ مِنْ بُسْتَانِهِ ثُمَّ يَشُقُّ عَلَى الْمُعْرِي دُخُولُ الْمُعْرَى لَهُ فِي بُسْتَانِهِ كُلَّ سَاعَةٍ وَلَا يَرْضَى أَنْ يُخْلِفَ الْوَعْدَ فَيَرْجِعُ فِيهِ فَيُعْطِيهِ قَدْرَهُ تَمْرًا مَجْذُوذًا بِالْخَرْصِ بَدَلَهُ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَمْلِكْ الثَّمَرَةَ لِعَدَمِ الْقَبْضِ فَصَارَ بَائِعًا مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ وَهُوَ جَائِزٌ لَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَسُمِّيَ ذَلِكَ بَيْعًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ عِوَضٌ عَمَّا أَعْطَاهُ أَوَّلًا فَكَأَنَّهُ أَنْفَقَ فِي الْوَاقِعَةِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهُ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَيْهِ فَنَقَلَ كَمَا وَقَعَ عِنْدَهُ وَسَكَتَ عَنْ السَّبَبِ كَذَا فَسَرَهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى كَيْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْمَشَاهِيرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّهُ بَيْعٌ.

قَالَ (وَالْمُلَامَسَةِ وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ) وَهَذِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ فَالْأَوَّلُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالثَّانِي بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهَا بِمَا رَوَيْنَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يَقْلِبُهُ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يُنْبَذَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ وَيُنْبَذَ الْآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا لِلتَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَيَكُونُ قِمَارًا فَصَارَ فِي الْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي أَيُّ ثَوْبٍ أَلْقَيْت عَلَيْهِ الْحَجَرَ فَقَدْ بِعْتُكَهُ وَفِي الْمُغْرِبِ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَاللِّمَاسِ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ: إذَا لَمَسْت ثَوْبَك أَوْ لَمَسْت ثَوْبِي فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَا الْمَتَاعَ بِكَذَا فَإِذَا لَمَسْتُك فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ إذَا نَبَذْته إلَيْك أَوْ يَقُول الْمُشْتَرِي إذَا نَبَذْته إلَيَّ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ إذَا أَلْقَيْت الْحَجَرَ وَجَبَ الْبَيْعُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد الْمُلَامَسَةُ أَنْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ وَلَا يَنْشُرُهُ وَلَا يُقَلِّبُهُ.

قَالَ (وَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ هَذَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ جَازَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَحُكْمُهُ إذَا قَبَضَهُمَا.

قَالَ (وَالْمَرَاعِي وَإِجَارَتِهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي وَلَا إجَارَتُهَا وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَلَأُ دُونَ رَقَبَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ وَإِجَارَتَهَا جَائِزٌ إذَا كَانَ مَالِكًا لَهَا، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ وَإِجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ إذْ لَا يَمْلِكُهُ بِنَبَاتِهِ فِي أَرْضِهِ مَا لَمْ يُحْرِزْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ فِيهِ «وَثُمُنُهُ حَرَامٌ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُحْرِزْهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُمْنَعُ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُمْ الِانْتِفَاعَ بِشُرْبِ الْمَاءِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْآبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ وَإِذَا طَلَبَ أَحَدٌ الْمَاءَ يَلْزَمُهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُخَلِّيَهُ يَدْخُلُ فَيَأْخُذُ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُخْرِجُ لَهُ هُوَ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي دَارِ غَيْرِهِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ فِيهِ، وَكَذَا لَهُمْ الِاحْتِشَاشُ مِنْ الْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ فَإِنْ مَنَعَهُمْ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَاءِ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا كَانَ مُبَاحًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ الْعَيْنِ وَالْإِجَارَةُ لَا تَجُوزُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ فَغَيْرُ الْمَمْلُوكَةِ أَوْلَى وَأُجِيزَتْ فِي الظِّئْرِ وَالصَّبْغِ لِكَوْنِهَا آلَةً لِلْعَمَلِ بَيْعًا وَضِمْنًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَجُوزُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَصْدًا، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ فِيهَا أَوْ لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى بِقَدْرِ مَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ فَيَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُمَا هَذَا إذَا نَبَتَ الْحَشِيشُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أَنْبَتَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَنْ سَقَاهَا أَوْ حَدَّقَ حَوْلهَا أَوْ هَيَّأَهَا لِلْإِنْبَاتِ مَلَكَهُ وَجَازَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ. (قَوْلُهُ: فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مَقْصُورَةٌ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مُقْتَصِرَةٌ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَثَوْبٌ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَيْ وَجَهَالَةُ الْمَبِيعِ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهَذِهِ تُفْضِي إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدْرِي مَا يُسَلِّمُ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدْرِي مَا يَتَسَلَّمُ فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْقِيمَةِ وَجَهَالَةِ الصُّبْرَةِ الْمَبِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَلَوْ قَالَ بِعْت أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي أَيَّهُمَا شَاءَ بِعَشَرَةٍ فَقَبِلَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ مَضَى بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ خِيَارِ الشَّرْطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ فِي الثَّانِي بِفِعْلِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَصَارَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَإِذَا لَمْ يَشْرِطْ الْخِيَارَ ثَبَتَتْ الْجَهَالَةُ وَكَثُرَتْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي اخْتِيَارُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ إلَّا وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُعَيِّنَ الْآخَرَ فَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ تَعَيَّنَ الْمَبِيعُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا فَقَلَّتْ الْجَهَالَةُ فَلَمْ تُؤَثِّرْ. اهـ. أَقْطَعُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ وَإِجَارَتُهُ) أَيْ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِأَحَدٍ قَبْلَ الْإِحْرَازِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ) أَيْ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا. اهـ. هِدَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>