للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُهُ تَبَعًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَمَقْصُودًا فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ؛ لِأَنَّهُ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ وَهُوَ مَالٌ، وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ حَتَّى لَوْ سَقَى بِهِ رَجُلٌ أَرْضَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَكَذَا لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ أَرْضٍ بِشِرْبِهَا بِأَلْفٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِذَلِكَ وَسَكَتَ الْآخَرُ عَنْ الشِّرْبِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي ثَمَنِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بُخَارَى لِلْجَهَالَةِ وَإِنْ سَقَطَ الْعُلُوُّ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَسِيلِ وَهِبَتُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَالثَّانِي بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَوَّلَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مَعْلُومُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا رَقَبَةُ الْمَسِيلِ فَمَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ مِنْ الْأَرْضِ مُخْتَلِفٌ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ حُدُودَهُ جَازَ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ رَقَبَةَ النَّهْرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَسِيلِ أَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهُ جَازَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الثَّانِي فَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسْيِيلِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الطَّرِيقُ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَمَّا التَّسْيِيلُ فَمُتَعَلِّقٌ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْمَسِيلِ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ التَّعَلِّي حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ وَرَقَبَةُ الْأَرْضِ مَالٌ وَهُوَ عَيْنٌ فَمَا تَعَلَّقَ بِهِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْمَالِ وَحَقُّ التَّعَلِّي مُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ وَالْهَوَاءُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ وَلَا لَهُ حُكْمُ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ.

قَالَ (وَأَمَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ شَخْصًا عَلَى أَنَّهُ أَمَةٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَةٌ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافُ الْوَصْفِ إذْ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ وَصْفٌ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ يُوجِبُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَمَقْصُودًا) أَيْ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَرْضِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ) أَيْ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ) أَيْ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ بَلْخٍ تَعَامَلُوا ذَلِكَ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ لِلتَّعَامُلِ كَمَا جُوِّزَ السَّلَمُ لِلضَّرُورَةِ وَالِاسْتِصْنَاعُ لِلتَّعَامُلِ اهـ كَمَالٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَشَايِخُ بَلْخٍ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يُجَوِّزُونَ بَيْعَ الشِّرْبِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى تَزْدَادَ نَوْبَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ أَهْلَ بَلْخٍ تَعَامَلُوا ذَلِكَ لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ سَقَى بِهِ رَجُلٌ أَرْضَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ) أَيْ وَكَذَا إذَا اسْتَحَقَّ الشِّرْبَ يَبْطُلُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ، وَأَمَّا ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ فَهُوَ بِأَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِشِرْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ رِوَايَةُ الْبَزْدَوِيِّ وَعَلَى رِوَايَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَا يَضْمَنُ وَقِيلَ يَضْمَنُ إذَا جَمَعَ الْمَاءَ ثُمَّ أَتْلَفَهُ وَلَا يَضْمَنُ قَبْلَ الْجَمْعِ وَحِينَئِذٍ فَالْإِلْزَامُ بِهِ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُخَالِفُ وَعَنْ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ ابْنِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَصَرَ ضَمَانَهُ بِالْإِتْلَافِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَشْهَدَ بِهِ لِآخَرَ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَقَالَ لَا وَجْهَ لِلضَّمَانِ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِهَا فَإِمَّا بِالسَّقْيِ أَوْ بِمَنْعِ حَقِّ الشِّرْبِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَدِيثِ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَنْعَ حَقِّ الْغَيْرِ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ السَّبَبُ مَنْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا أَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَهُوَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَيْنًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ بِعَرَضِيَّةِ وُجُودِهِ كَالسَّلَمِ وَالِاسْتِصْنَاعِ ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ فَهُوَ مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذَا وَجْهٌ مَنْعِ مَشَايِخِ بُخَارَى بَيْعَهُ مُفْرَدًا قَالُوا وَتَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ هُوَ التَّعَامُلُ الَّذِي يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ بَلْ ذَلِكَ تَعَامُلُ أَهْلِ الْبِلَادِ لِيَصِيرَ إجْمَاعًا كَالِاسْتِصْنَاعِ وَالسَّلَمُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَالضَّرُورَةُ فِي بَيْعِ الشِّرْبِ مُفْرَدًا عَلَى الْعُمُومِ مُنْتَفِيَةٌ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ فَحَاجَةُ بَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِهِمَا فِي ثَمَنِ الْأَرْضِ) أَيْ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ يُقَابِلُ الشِّرْبَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بُخَارَى لِلْجَهَالَةِ) أَيْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مَعَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْجَهَالَةِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ.

(قَوْلُهُ وَالثَّانِي بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ) أَيْ الَّذِي هُوَ التَّطَرُّقُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَوَّلَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ وَهُوَ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ أَيْ مَعَ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا فَإِنْ بَيَّنَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ جَازَ أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَسِيلَةِ هُنَا فَإِنَّهُ يَجْعَلُ مِقْدَارَ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى وَطُولَهُ إلَى السِّكَّةِ النَّافِذَةِ أَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ وَمِنْ هُنَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسِيلَةِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الطَّرِيقِ وَالتَّسْيِيلِ، أَمَّا لَوْ بَيَّنَ حَدَّا مَا يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ بَاعَ الْأَرْضَ الْمَسِيلَ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ حَيْثُ جَازَ بَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ دُونَ الْمَسِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ وَبَيْعُ الْحُقُوقِ بِالِانْفِرَادِ لَا يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّسْيِيلُ) أَيْ فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي وَبَيْعُ حَقِّ التَّعَلِّي لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ كَانَ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ قَدْرِ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَأَمَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَكَذَا عَكْسُهُ) قَالَ الْكَمَالُ إذَا اشْتَرَى هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفٍ فَظَهَرَتْ غُلَامًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمَبِيعِ وَهَذِهِ وَأَمْثَالُهَا تَبْتَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمَهْرِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ تَسْمِيَةٌ وَإِشَارَةٌ إلَى شَيْءٍ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ حَيْثُ أَشَارَ إلَى ذَاتٍ وَسَمَّاهَا جَارِيَةً. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْأُنُوثَةُ وَصْفٌ فِي الْحَيَوَانِ) أَيْ فَلَا يَتَبَدَّلُ بِهَا مَعْنَى الذَّاتِ. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>