للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخِيَارَ لَا الْفَسَادَ كَمَا فِي الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى كَبْشًا مَثَلًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَإِذَا هُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِتَفَاحُشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ خَارِجَ الدَّارِ وَمِنْ الْأَمَةِ الِاسْتِخْدَامُ دَاخِلَ الدَّارِ كَالطَّبْخِ وَالْكَنْسِ وَالِاسْتِفْرَاشِ وَالِاسْتِيلَادِ فَصَارَتْ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الذُّكُورَةِ وَمِنْ غَيْرِهِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ اللَّحْمُ وَالْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ الْحَيَوَانِ يَصْلُحَانِ لِذَلِكَ فَكَانَا جِنْسًا وَاحِدًا وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يَكُونُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلَّ وَالدِّبْسَ جِنْسَانِ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ اتَّحَدَ أَصْلُهُمَا ثُمَّ فِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِتَعْرِيفِ الذَّاتِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا صَارَ الذَّاتُ مُعَيَّنًا وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَالتَّسْمِيَةُ لِإِعْلَامِ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الذَّاتِ فَكَانَ أَبْلَغَ فِي التَّعْرِيفِ وَيَحْتَاجُ فِي مَقَامِ التَّعْرِيفِ إلَى مَا هُوَ أَبْلَغُ فِيهِ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ فِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تُجْعَلَ الْإِشَارَةُ لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّسْمِيَةُ لِلتَّرْغِيبِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ بِخِلَافِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ الْأَعْرَفُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَقَعُ الْبَيْعُ بَاطِلًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ فَاسِدٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ الْمُسَمَّى وَأَشَارَ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ غَيْرَهُ وَذَلِكَ فَاسِدٌ وَالْإِجَارَةُ مِثْلُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالنِّكَاحُ وَأَشْبَاهُهُ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَكِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى يُمْكِنُ ضَبْطُهُ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ الْمَوْصُوفَةِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ سَمَّاهُ وَلَمْ يُشِرْ إلَى شَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ.

قَالَ (وَشِرَاءُ مَا بَاعَ بِالْأَقَلِّ قَبْلَ النَّقْدِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ قَدْ تَمَّ بِالْقَبْضِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِعَرْضٍ أَوْ بِأَقَلَّ بَعْدَ النَّقْدِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقَالَتْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْت غُلَامًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَإِنِّي ابْتَعْته مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ خَارِجَ الدَّارِ) أَيْ كَالزِّرَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْحِرَاثَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ) أَيْ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ الْمُسَمَّى اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِتَعْرِيفِ الذَّاتِ) أَيْ الْحَاضِرَةِ وَالتَّسْمِيَةُ تُعَرِّفُ الْحَقِيقَةَ الْمُنْدَرِجَةَ فِيهَا تِلْكَ الذَّاتُ وَغَيْرُهَا مِنْ ذَوَاتٍ لَا تُحْصَى مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ الْعَقْلِ بِأَشْبَاهِهَا لِتِلْكَ الذَّاتِ وَغَيْرِهَا اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ) أَيْ فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ كَانَتْ الْإِشَارَةُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْغَايَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْبَيْعِ قَالَ بَعْضُهُمْ بَاطِلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَاسِدٌ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، وَقَالَ كَذَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ أَقُولُ هَذَا اخْتِلَافٌ عَجِيبٌ وَنُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ عَجِيبٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى الْبُطْلَانِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّفْيِ يَدُلُّ عَلَى الْبَاطِلِ لَا الْفَاسِدِ فَكَيْفَ يَصِحُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْكَرْخِيَّ صَرَّحَ فِي مُخْتَصَرِهِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ إذَا أَوْجَبَ اخْتِلَافًا فَاحِشًا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ ثُمَّ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ إذَا بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَكَانَ زُجَاجًا أَوْ بَاعَ هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنَّهُ خَزٌّ فَإِذَا هُوَ مَرْعَزِيٌّ قَالَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ اهـ وَالْعَجَبُ مِنْ هَذَا التَّعْجِيبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا يَحْتَمِلُ نَفْيَ الصَّحِيحِ وَيَحْتَمِلُ النَّفْيَ مُطْلَقًا وَقَوْلُ الْأَتْقَانِيِّ إنَّ هَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى الْبُطْلَانِ مَمْنُوعٌ وَتَعْلِيلُهُ مُصَادَرَةٌ فَجَعْلُ الْبَيْعَ فَاسِدًا لَهُ وَجْهٌ عَلَى تَقْدِيرِ الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا تَصْرِيحُ الْكَرْخِيِّ بِأَنَّهُ مِثْلُ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ فَهُوَ مِثْلُهُ فِي الِاخْتِلَافِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاطِلٌ وَيَكُونُ الْوُقُوفُ عَلَى كَلَامِ الْكَرْخِيِّ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ قَرِينَةُ هَذَا الْحَمْلِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَلَا يُظَنُّ بِصَاحِبِ النِّهَايَةِ نَقْلُ مَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْكَرْخِيِّ غَايَتُهُ عَدَمُ وُقُوفِ الْأَتْقَانِيِّ عَلَى ذَلِكَ، هَذِهِ الْحَاشِيَةُ مِنْ فَوَائِدِ الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الْأَقْصِرَائِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ) اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَرْوِي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ بْنِ قَيْسِ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ وَفِي كُنْيَتِهِ اخْتِلَافٌ، قِيلَ أَبُو عَمْرٍو وَقِيلَ أَبُو عَامِرٍ وَقِيلَ أَبُو أُنَيْسَةَ وَقِيلَ أَبُو أُنَيْسٌ وَتُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهَذَا وَاَلَّذِي أَخَذَ الرَّايَةَ يَوْمَ مَوْتِهِ حِينَ اُسْتُشْهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاهِينِ فِي كِتَابِهِ الْمُعْجَمِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: ابْتَعْته) أَيْ بِعْته، وَكَذَا هُوَ فِي الْهِدَايَةِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>