نَقْدًا فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ بِئْسَمَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا شَرَى إنَّ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَطَلَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَهَذَا الْوَعِيدُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فَاسِدٌ وَهُوَ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا قَالَتْهُ سَمَاعًا.
وَلَا يُقَالُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ إنِّي بِعْته إلَى الْعَطَاءِ فَلَعَلَّهَا أَنْكَرَتْ عَلَيْهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَرَى الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَصَارَ بَعْضُ الثَّمَنِ قِصَاصًا بِبَعْضٍ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَضْلٌ بِلَا عِوَضٍ فَكَانَ ذَلِكَ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَمَا دَخَلَ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَبَايِنَةٌ بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِسَيِّدِهِ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ وَلَهُ أَنَّ شِرَاءَ هَؤُلَاءِ كَشِرَاءِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ لِاتِّصَالِ مَنَافِعِ الْمَالِ بَيْنَهُمْ وَهُوَ نَظِيرُ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ إذَا عَقَدَ مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى مَا بِيعَ لَهُ بِأَنْ بَاعَ وَكِيلُهُ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ بِإِذْنِهِ صَارَ كَبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَقَلِّ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ، أَمَّا شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بَائِعٌ لِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ فَكَانَ هَذَا شِرَاءَ الْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ كَالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ، وَأَمَّا لِغَيْرِهِ فَلِأَنَّ شِرَاءَ الْمَأْمُورِ وَاقِعٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْحُقُوقُ فَكَانَ هَذَا شِرَاءَ مَا بَاعَ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ.
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ وَارِثٍ مُشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ الْمُوَرِّثُ لَمْ يَجُزْ لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى وَارِثُ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ بِهِ مُوَرِّثُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا يَرِثُ لَا فِيمَا لَا يَرِثُ وَوَارِثُ الْبَائِعِ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي هَذَا الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الشِّرَاءَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِ فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا وَارِثُ الْمُشْتَرِي فَقَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فِي هَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ حَالَ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ مُوَرِّثِهِ وَلَمَّا قَامَ وَارِثُ الْمُشْتَرِي مَقَامَهُ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْعَيْنِ بِحُكْمِ الْإِرْثِ صَارَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ بِئْسَمَا مَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا مَا شَرَى) مَا مَعْنَى ذَمِّ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا إنَّمَا ذَمَّتْهُ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْبَيْعِ الْمَحْظُورِ كَالسَّفَرِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مَحْظُورٌ وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّمَنُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَقَلِّ لَزِمَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا حَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» فَإِنْ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّمَا أَغْلَظَتْ الْقَوْلَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ إلَى الْعَطَاءِ وَهُوَ أَجَلٌ مَجْهُولٌ لَا لِأَنَّ فِيهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ قُلْت كَانَ مِنْ مَذْهَبِ عَائِشَةَ جَوَازُ الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَجَمَاعَةٍ كَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ سَلَفٌ) صُورَةُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ مَنْفَعَةِ الْقَرْضِ أَوْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَصُورَةُ الشَّرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ أَنْ يَبِيعَ عَبِيدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنَا الْعَقْدَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَاهُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ اشْتَرَى وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ آخَرُ وَهُوَ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْآخَرِ وَلِذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْعَبْدِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ وَكِيلُ الْبَائِعِ وَلَا مُضَارِبٌ وَلَا شَرِيكٌ فِي تِلْكَ التِّجَارَةِ وَلَا مُدَبَّرٌ لِلْبَائِعِ وَلَا مُكَاتَبٌ وَلَا عَبْدٌ لِلْبَائِعِ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَإِنْ اشْتَرَاهُ وَالِدٌ لِلْبَائِعِ أَوْ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ عَلَا أَوْ سَفَلَ أَوْ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلْبَائِعِ وَلَا شَهَادَةُ الْبَائِعِ لَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَاعَهُ مُكَاتَبُهُ وَلَا عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ وَلَا مُضَارِبُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعُوهُ فَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ مَنْ يَشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَاشْتَرَاهُ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الشِّرَاءُ لَازِمٌ لِلْوَكِيلِ وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لِلْآمِرِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ يَكُونُ فَاسِدًا وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْعَقْدُ لَهُ زِيَادَةُ فَسَادٍ بِدَلِيلِ إبْطَالِ الْجِهَادِ فَلَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ فِي الْمَعْنَى مُشْتَرٍ مِنْ الْوَكِيلِ قَاصِدًا كَمَا إذَا اشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ وَارِثِ مُشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْ الْوَارِثِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ فِي الرَّدِّ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَاشْتَرَاهُ وَارِثُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي جَازَ الشِّرَاءُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلْبَائِعِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَقَرَابَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ لَا تَمْنَعُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَارِثَ الْمُشْتَرِي قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُمْ وَرِثُوهُ مِنْهُ، وَأَمَّا وَارِثُ الْبَائِعِ يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَالثَّمَنُ الَّذِي يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute