بَيْعُ الْوَارِثِ وَبَيْعُ الْمُوَرِّثِ سَوَاءً وَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ وَارِثِهِ وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ مِنْ مُشْتَرِيهِ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ أَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ سَبَبِ الْمِلْكِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ أَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ حَيْثُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَلَى حَالِهِ لَمْ يُنْتَقَصْ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَبَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ.
وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ إذَا صَارَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَإِذَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ جُعِلَ النُّقْصَانُ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَانَ مُشْتَرِيًا مَا بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعْنَى وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَمَا فِي حَقِّ الْغَاصِبِ وَغَيْرِهِ فَعَادَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَظْهَرُ الرِّبْحُ وَشَرَطْنَا اتِّحَادَ الثَّمَنَيْنِ جِنْسًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسُ الدَّرَاهِمِ هُنَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بِالدَّرَاهِمِ فَاشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا وَجَازَ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ حَتَّى لَا يَجْرِي رِبَا الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا وَلَنَا أَنَّهُمَا جِنْسَانِ صُورَةً وَجِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ فَغَلَّبْنَا الْمُحَرِّمَ عَلَى الْمُبِيحِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَمَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامَ الْحَلَالُ» رَجُلَانِ بَاعَا عَبْدًا بَيْنَهُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَا بِعْنَاكَهُ بِأَلْفٍ كُلُّ نِصْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ فَسَدَ فِي نِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَصَحَّ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِنِصْفِ خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا بِيعَ لَهُ.
وَلَوْ قَالَا بِعْنَاك نَصِيبَ فُلَانٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَا بِعْنَاك نَصِيبَ فُلَانٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا كُلَّهُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَسَدَ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ وَهُوَ الرُّبُعُ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ وَنِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبُعُ بَيْعٌ لَهُ، وَأَمَّا نَصِيبُ صَاحِبِهِ فَيَفْسُدُ فِي نِصْفِهِ وَهُوَ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ لَهُ وَصَحَّ فِي الرُّبُعِ الْآخَرِ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا بِيعَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَيَاهُ مَعًا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ صَحَّ شِرَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ثَمَنِهِ بِثُمُنِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا صَحَّ شِرَاؤُهُ فِي الرُّبُعِ فَإِذَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفًا شَائِعًا صَحَّ شِرَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ الثُّمُنُ ضَرُورَةً وَلَوْ بَاعَاهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ شِرَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي رُبُعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اشْتَرَى نِصْفًا شَائِعًا نِصْفُهُ فِيمَا بَاعَ فَيَفْسُدُ وَنِصْفُهُ فِيمَا بَاعَ شَرِيكُهُ فَيَصِحُّ فِي نِصْفِهِ الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ لَهُ بَلْ بَاعَهُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بَاعَهُ مَعَ وَكِيلِهِ بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمُوَكِّلُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِيعَ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فَسَدَ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ هُوَ وَصَحَّ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا بِيعَ لَهُ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ كُلَّهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ أَمَّا الْوَكِيلُ فَلِأَنَّهُ بَاعَ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فَلِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ.
قَالَ (وَصَحَّ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ) أَيْ صَحَّ الْبَيْعُ فِيمَا ضُمَّ إلَى الْمُشْتَرَى بِأَنْ اشْتَرَى مَثَلًا جَارِيَةً بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا بِأَلْفٍ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ جَازَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيَفْسُدُ فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهَا لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ حَتَّى لَوْ قَضَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَجُوزُ) أَيْ وَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ جَازَ لِبَائِعِهِ شِرَاؤُهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مَا كَانَ بَاعَهُ لَهُ أَوَّلًا. اهـ. مُبْتَغَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَجُوزُ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا مِنْ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّ بِتَبَدُّلِ الْعَاقِدِ تَتَبَدَّلُ الْعَيْنُ حُكْمًا فَأَمَّا وَارِثُهُ فَبِمَنْزِلَتِهِ فَإِنَّهُ خَلَفُهُ فَصَارَ شُبْهَةً وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: جَعَلَ النُّقْصَانَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) أَيْ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبْحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْعَيْبِ أَوْ دُونَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) أَيْ لِأَنَّهُ فُتُورٌ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْهُ فَوَاتُ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِمَا ثَمَنًا وَمِنْ حَيْثُ وَجَبَ ضَمُّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ احْتِيَاطًا وَأَلْزَمَ أَنَّ اعْتِبَارَهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا يُوجِبُ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا وَالْجَوَابُ أَنَّ مُقْتَضَى الْوَجْهِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ فِي التَّفَاضُلِ عِنْدَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إجْمَاعٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجْرِي رِبَا الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الرِّبْحِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ) وَهَذِهِ فَرْعُ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ أَنَّ شِرَاءَ مَا بَاعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: إلَى الْمُشْتَرَى) بِفَتْحِ الرَّاءِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: جَازَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا) أَيْ بِحِصَّتِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْآخَرِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ) أَيْ وَلَا إشْكَالَ هُنَا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا فَسَدَ بَعْضُهُ فَسَدَ كُلُّهُ إذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقَارِنًا وَحِلُّهُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْفَسَادَ فِيمَا بِيعَتْ أَوَّلًا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي فَسَادِهَا فَلَمْ يَسْرِ لِضَعْفِ الْفَسَادِ إلَى صَاحِبَتِهَا كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقِنِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَا هُنَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْمَضْمُومَةِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute