للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَتْلَفَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِعْتَاقِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ يُلَائِمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِمِلْكِهِ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ فَلِوُجُودِ صُورَةِ الشَّرْطِ قُلْنَا يَفْسُدُ فَإِذَا تَحَقَّقَ الْعِتْقُ حَكَمْنَا بِجَوَازِهِ لِتَحَقُّقِ الْمُلَاءَمَةِ وَهُوَ الْإِنْهَاءُ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَهُ مَوْقُوفًا بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَنْهِيَّيْنِ لِلْمِلْكِ، وَكَذَا إذَا أَتْلَفَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِمَا؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ لَا الْحَجْرُ مِنْهُ وَلَا الْإِلْزَامُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صَحَّ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِيهِ وَفَسَدَ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَحَّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنْ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى أَحَدٍ فَكَانَ هَذَا شَرْطًا لَا مُطَالِبَ لَهُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فَلَا يَفْسُدُ.

قَالَ (أَوْ إلَّا حَمْلَهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَمَةٍ إلَّا حَمْلَهَا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَالْحَمْلُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَطْرَافِ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ ثُمَّ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ فِي الْعُقُودِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ فِي وَجْهٍ يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ غَيْرَ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْ الشُّرُوطِ أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ الْعَقْدُ حَتَّى لَوْ كَاتَبَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ لَا يَفْسُدُ وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَكُونُ الْحَمْلُ تَابِعًا لِلْأُمِّ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ وَيَصِيرُ هُوَ حَيْثُ صَارَتْ هِيَ وَفِي وَجْهٍ يَجُوزُ الْعَقْدُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِحَمْلِهَا لِآخَرَ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيهِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ وَفِي الْعِتْقِ يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ وَحْدَهُ لَصَحَّ.

قَالَ (أَوْ يَسْتَخْدِمُ الْبَائِعَ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُقْرِضَ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ يُهْدِي لَهُ أَوْ يُسَلِّمَهُ إلَى كَذَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ إلَّا حَمْلَهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ هُنَا مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَإِذَا اسْتَثْنَى مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مُفْرَدًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا قَفِيزًا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ الصُّبْرَةِ إلَّا قَفِيزًا فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى مَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ قَفِيزًا مِنْ الصُّبْرَةِ يَجُوزُ وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ إلَّا شَاةً مِنْهَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَاةً مِنْ الْجُمْلَةِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا بِمِائَةٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ وَالْعَدَدِيِّ غَيْرِ الْمُتَقَارِبِ وَلِذَا لَوْ بَاعَ حَيَوَانًا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ مَا فِي الْبَطْنِ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ» وَقَدْ مَرَّ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَطْرَافِ) أَيْ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْأُمِّ جُمْلَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْقَلِبُ بِانْقِلَابِهَا كَسَائِرِ الْأَطْرَافِ فَكَانَ تَبَعًا فِي الدُّخُولِ تَحْتَ الْعَقْدِ كَالْأَطْرَافِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ كَمَنْ آجَرَ دَارِهِ عَلَى جَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْكِتَابَةُ) أَيْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى جَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالرَّهْنُ) أَيْ رَهَنَ جَارِيَتَهُ إلَّا حَمْلَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ) صُلْبُ الْعَقْدِ مَا كَانَ رَاجِعًا إلَى الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّ صُلْبَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَقِيَامُ الْبَيْعِ بِالْعِوَضَيْنِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ) أَيْ وَكَانَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً لِلْمُوصَى لَهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِفُلَانٍ إلَّا خِدْمَتَهَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْخِدْمَةِ بَلْ يَبْطُلُ حَتَّى تَكُونَ الْجَارِيَةُ وَخِدْمَتُهَا جَمِيعًا لِلْمُوصَى لَهُ فَإِنْ قُلْت يَصِحُّ إفْرَادُ الْخِدْمَةِ بِالْعَقْدِ بِأَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا أَيْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَكْسٌ لِلْقَاعِدَةِ لَا طَرْدٌ لَهَا فَلَا يَلْزَمُنَا وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْوَصِيَّةُ غَيْرُ عَقْدٍ اهـ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَبُولَ يَصِحُّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَوْ كَانَتْ عَقْدًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ الْمُوصِي بِهِ فِي مِلْكِ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ بِلَا قَبُولٍ إذَا مَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِيهَا لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِرْثُ فِي الْأَعْيَانِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: أَوْ يُقْرِضُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُقْرِضَنِي فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَشَرَةَ الْأَجْنَبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ إنَّمَا تَلْزَمُهُ إمَّا بِطَرِيقِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ بِطَرِيقِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ لَيْسَتْ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُهَا الْكَفِيلُ وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ فَإِذَا لَمْ تَلْزَمْ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُنَا قَدْ سَلَّمَ لَهُ مَا شُرِطَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>