بِالْإِرْثِ بِأَنْ كَانَا لِذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ وَيُخَلِّلَ الْخَمْرَ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَكَذَا إذَا تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ بِخِلَافِ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الْمَجُوسِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْمَجُوسِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فِيهِ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَى الْمُوَكِّلِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا اتَّهَبَ كَافِرٌ لِمُسْلِمٍ خَمْرًا؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ كَالتَّزْوِيجِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً وَحُقُوقُهُ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ إنْ بَاعَهَا الْوَكِيلُ لَهُ لِتَمَكُّنِ الْخَبَثِ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ بَيْعَهَا حَرَّمَ شِرَاءَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» وَفِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْخَمْرِ يَمْلِكُهَا حُكْمًا فَيُخَلِّلُهَا؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا كَمَا إذَا وَرِثَهَا أَوْ تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ وَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ يَدْفَعُهُ إلَى الْوَكِيلِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ حُكْمًا فَيَلْزَمُهُ الْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ وَقَوْلُهُمَا لَا وِلَايَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ فَكَذَا وَكِيلُهُ مَنْقُوضٌ بِمَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّ رَجُلًا لَوْ تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ فَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ فَاشْتَرَاهُ لَهُ مَلَكَهُ وَمِنْهَا إذَا مَاتَ ذِمِّيٌّ وَخَلَفَ خَمْرًا يَأْمُرُ الْقَاضِي ذِمِّيًّا بِبَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهَا هُوَ وَمِنْهَا لَوْ كَانَ مُسْلِمٌ وَصِيًّا لِذِمِّيٍّ وَلِلْمَيِّتِ خَمْرٌ يَأْمُرُ الْوَصِيُّ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا بِبَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ هُوَ، وَأَمَّا نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ فَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُهُ ابْتِدَاءً وَلَا بَقَاءً فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ لَهُ حُكْمًا لِتَصَرُّفِهِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ الْمِلْكُ وَالْمُسْلِمُ أَهْلٌ لِمِلْكِهِمَا وَالْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ وَلَا يُفِيدُ الْحِلُّ فَيَلْغُو.
قَالَ (وَأَمَةٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يَسْتَوْلِدَ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَمَتِهِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ بِهَا الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لَهُ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ وَلَمْ يَجُزْ التَّعَامُلُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ مُفْسِدٌ لِمَا رَوَيْنَا فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ شُرِطَ فِيهِ الْمُلَائِمُ لِلْعَقْدِ كَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا لِلتَّوْثِقَةِ وَالتَّأْكِيدُ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُؤَكِّدُهُ مُلَائِمٌ لَهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ شَرَطَا فِيهِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ أَوْ شَرَطَ فِيهِ مَا جَرَى التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ كَشِرَاءِ النَّعْلِ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا لِلْبَائِعِ أَوْ يُشْرِكَهَا أَوْ شَرَطَ فِيهِ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَهْلُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ الْآدَمِيُّ وَالْأَجْنَبِيُّ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ أَوْ التَّعَامُلِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُلَائِمًا.
وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ مُفْسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ عَرِيَّةٍ عَنْ الْعِوَضِ فَيُفْضِي إلَى الرِّبَا وَلِأَنَّهُ يَقَعُ بِسَبَبِهِ الْمُنَازَعَةُ فَيُعَرِّي الْعَقْدَ عَنْ مَقْصُودِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْأَسْبَابِ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَطْعُ النِّزَاعِ لِيَخْتَصَّ بِهِ الْمُبَاشِرُ لِلسَّبَبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ نَسَمَةً مُتَعَارَفٌ فِي الْوَصَايَا وَتَفْسِيرُهُ مَا قُلْنَا وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ إذْ هُوَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ وَأَيَّ تَصَرُّفٍ شَاءَ لَا تَصَرُّفًا مُعَيَّنًا فَاشْتِرَاطُ مِثْلِهِ فِيهِ مُفْسِدٌ لَهُ كَاشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ فِيهِ وَتَفْسِيرُ بَيْعِ النَّسَمَةِ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ كَمَا إذَا بَاعَهُ مِمَّنْ يَطْلُبُ رَقَبَةً لِلْإِعْتَاقِ عَنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ وَقِيلَ تَفْسِيرُهُ أَنْ يَعِدَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ.
وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِعْتَاقِ مُفْسِدٌ فَتَحْقِيقُهُ تَقْرِيرٌ لِلْفَسَادِ لَا رَفْعٌ لَهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ إنْ بَاعَهَا الْوَكِيلُ لَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْوَكَالَةَ تُكْرَهُ أَشَدَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ لَيْسَ إلَّا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْهَا أَنَّ رَجُلًا لَوْ تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ إلَخْ) وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ لَوْ بَاعَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لَا يَجُوزُ وَمِنْ وَصِيَّتِهِ يَجُوزُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا لَا تَبِيعُ الْأُمُّ عُرُوضَ الْوَلَدِ وَصِيُّهَا يَبِيعُ الْعُرُوضَ الَّتِي هِيَ مِنْ مِيرَاثِهَا. اهـ. دِرَايَةٌ وَقَدْ قَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِهِ. اهـ. سِرَاجٌ وَهَّاجٌ وَقَوْلُهُ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِهِ وَلَا يَبِيعُهُ الْوَكِيلُ إلَّا بِشَرْطٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ كَاشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا كَانَ فِي الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ نَحْوَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ وَلَا يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ تَدَاوُلَ الْأَيْدِي يَشُقُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ أَوْ شَرَطَ الْعِتْقَ فَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَعْتَقَهُ لَزِمَهُ الثَّمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ لَزِمَهُ الْقِيمَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ ثُمَّ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَامَةُ الْجَوَازِ وَوُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَامَةُ الْفَسَادِ وَالْحَاصِلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ فِي الِابْتِدَاءِ يَنْعَقِدُ عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِالْعِتْقِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَلِبُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَتَقَ فَانْقَلَبَ الْبَيْعُ جَائِزًا اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ جَائِزًا إذَا أَعْتَقَهُ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِهِمَا كَذَا فِي التُّحْفَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute