للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ يَعْنِي قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مَلَكَهُ بِمِثْلِهِ إذْ هُوَ الْأَعْدَلُ لِكَوْنِهِ مِثْلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ مَعَ إمْكَانِهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ بَلْخٍ، وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ فِيهَا التَّصَرُّفَ خَاصَّةً بِحُكْمِ تَسْلِيطِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ اسْتِدْلَالًا بِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ أَيْضًا مَنْ اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا، وَلَوْ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي لَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ.

وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَوْ وَطِئَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ إذَا رَفَعَ الْفَسَادَ وَرَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ وَلَوْ مَلَكَهَا لَحَلَّ وَلَمْ يَجِبْ الْعُقْرُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ كَالْأَمَةِ الْمَوْهُوبَةِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ إذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا، وَكَذَا لَوْ رَبِحَ الْمُشْتَرِي فِيهَا لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ وَلَوْ مَلَكَهَا لَطَابَ، وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا وَلَوْ مَلَكَهُ لَحَلَّ، وَجْهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْأَبَ أَوْ وَصِيَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا لِلصَّغِيرِ بَيْعًا فَاسِدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمَا نَفَذَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِ الْإِعْتَاقَ وَلَا التَّسْلِيطَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَبِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا لَمَا اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لَمَا وَجَبَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْأَكْلِ وَلَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْوَطْءِ وَنَحْوِهِ إعْرَاضٌ عَنْ الرَّدِّ وَهُوَ وَاجِبٌ شَرْعًا وَفِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ تَأْكِيدُ الْفَسَادِ وَتَقْرِيرُهُ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ التَّسْلِيطِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذْ الْمُشْتَرِي يَتَصَرَّفُ فِي الْمَبِيعِ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ بِسَبَبِ تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُ بِالْفَاسِدِ الْعَيْنَ وَلَا التَّصَرُّفَ وَإِنْ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ.

وَالْمِلْكُ نِعْمَةٌ لِكَوْنِهِ ذَرِيعَةً إلَى قَضَاءِ الْمَآرِبِ وَوَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ فَلَا يُنَاطُ بِهِ إذْ لَا يُلَائِمُهُ وَالْمُلَاءَمَةُ شَرْطٌ بَيْنَ الْأَثَرِ وَالْمُؤَثِّرِ وَلِأَنَّ النَّهْيَ نُسِخَ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ لِلتَّضَادِّ بَيْنَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي قُبْحَهُ وَالْمَشْرُوعِيَّةَ تَقْتَضِي حُسْنَهُ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَكَانَ بَاطِلًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَيِّدُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِهِ تَزْدَادُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِقِيمَتِهِ فَكَذَلِكَ، وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ لَوْ قَالَ: أَبِيعُك بِالْكَعْبَةِ أَوْ بِالرِّيحِ لَمْ يَمْلِكْ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ مَالًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ إلَخْ) وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَلَا يَتَغَيَّرُ كَالْغَصْبِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مَلَكَهُ بِمِثْلِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْهَا أَيْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ الضَّامِنُ فَالْقَوْلُ فِي الْقَدْرِ وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْغَصْبِ) أَيْ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ الثَّمَنُ حَتَّى لَا يَلْزَمَ تَقْرِيرُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا) عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يُكْرَهُ الْوَطْءُ وَلَا يَحْرُمُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ الطِّيبِ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ عَدَمِ الْحِلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَلَكَهُ لَحَلَّ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْمُشْتَرِي يَمْلِكُ عَيْنَ الْمَبِيعِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا) أَيْ وَقَبَضَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً) أَيْ فَقَبَضَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْأَكْلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا كَيْ لَا يَكُونَ مُصِرًّا عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَاشْتِغَالُهُ بِالْوَطْءِ إعْرَاضٌ عَنْ الرَّدِّ فَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا لَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْمِلْكُ نِعْمَةٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ لَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ مَا وَضَعَهُ الشَّرْعُ سَبَبًا بِحُكْمٍ إذَا نَهَى عَنْهُ عَلَى وَضْعٍ خَاصٍّ فَفَعَلَ مَعَ ذَلِكَ الْوَضْعِ رَأَيْنَا مِنْ الشَّرْعِ أَنَّهُ أَثْبَتَ حُكْمَهُ وَإِثْمَهُ أَصْلُهُ الطَّلَاقُ وَضَعَهُ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ وَنَهَى عَنْهُ بِوَضْعٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا ثُمَّ رَأَيْنَاهُ أَثْبَتَ حُكْمَ طَلَاقِ الْحَائِضِ فَأَزَالَ بِهِ الْعِصْمَةَ حَتَّى أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ بِالْمُرَاجَعَةِ دَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَأَثِمَ الْمُطَلِّقُ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا فِي كُلِّ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ نَهَى عَنْ مُبَاشَرَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْفُلَانِيِّ إذَا بُوشِرَ مَعَهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَيُقْضَى بِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ) يَعْنِي يُفِيدُ انْتِفَاءَهَا مَعَ الْوَصْفِ فَنَقُولُ مَا نُرِيدُ بِانْتِفَاءِ مَشْرُوعِيَّةِ السَّبَبِ كَوْنَهُ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ الْوَصْفِ أَوْ كَوْنَهُ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ إنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ سَلَّمْنَاهُ وَمَنَعْنَا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ مَعَ الْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ كَمَا أَرَيْنَاك مِنْ الشَّرْعِ وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِي فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُصَادَرَةٌ حَيْثُ جَعَلْت مَحَلَّ النِّزَاعِ جُزْءَ الدَّلِيلِ لَا يُقَالُ فَلَا فَائِدَةَ لِلنَّهْيِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّأْثِيمُ وَهُوَ مَوْضِعٌ لِلنَّهْيِ فَإِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ وَهَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ رُكْنَ الْعَقْدِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا بِأَنْ عَقَدَ عَلَى الْخَمْرِ أَوْ الْمَيْتَةِ لِعَدَمِ الرُّكْنِ فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ أَصْلًا فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَوَضَعْنَا الِاصْطِلَاحَ عَلَى الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا تَمْيِيزًا فَسَمَّيْنَا مَا لَا يُفِيدُ حُكْمُهُ بَاطِلًا وَمَا يُفِيدُهُ فَاسِدًا أَخْذًا مِنْ مُنَاسَبَةٍ لُغَوِيَّةٍ تَقَدَّمَتْ أَوَّلَ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ هَذَا التَّقْرِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكِفَايَتِهِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْمُرَادُ أَنَّ النَّهْيَ يَتَضَمَّنُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَلِهَذَا أَيْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَثَبَتَ قَبْلَهُ كَمَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>