للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُرْمَةُ وَالْفَسَادُ فَأَنَّى يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِيهِ فَصَارَ كَالْمَيِّتَةِ وَبَيْعِ الْخَمْرِ بِالدَّرَاهِمِ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ وَرُكْنُهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِيهِ الْكَلَامُ وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّصَوُّرَ، وَلِهَذَا لَا يُقَالُ لِلْأَعْمَى لَا تُبْصِرُ وَلَا لِلْإِنْسَانِ لَا تَنْظُرُ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ شُرُوطِهِ التَّصَوُّرُ فَتَصَوُّرُ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ بِالشَّرْعِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً لَمْ تَكُنْ مُتَصَوَّرَةً فَيَبْطُلُ النَّهْيُ إذْ حَقِيقَةُ النَّهْيِ تُصْرَفُ فِي الْمُكَلَّفِ بِالْمَنْعِ مَعَ قِيَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الْمَحِلُّ عَلَى حَالِهِ فَاقْتَضَى وُجُودَهُ وَوُجُودُهُ بِالشَّرْعِ فَصَارَتْ مَشْرُوعَةً ضَرُورَةَ صِحَّةِ النَّهْيِ وَالْأَفْعَالُ الْحِسِّيَّةُ مُتَصَوَّرَةٌ بِذَاتِهَا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى جَعْلِهَا مَشْرُوعَةً وَهَذَا بِخِلَافِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الْمَحِلِّ بِإِزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمُكَلَّفِ فَكَانَا فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً.

وَإِنَّمَا يَحْرُمُ مُبَاشَرَتُهَا وَتَحْصِيلُ الْحُكْمِ بِذَلِكَ السَّبَبِ مَعَ بَقَائِهِ سَبَبًا لَهُ عِنْدَنَا كَمَا إذَا كَانَ النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى حَالِهِ مُفِيدٌ لِحُكْمِهِ غَيْرَ أَنَّهُ مَحْظُورٌ وَلَا يُقَالُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْأَذَانِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: النَّهْيُ فِيهِمَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَكِنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مُجَاوِرٌ لَهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُتَّصِلٌ بِهِ وَصْفًا فَكَانَ النَّهْيُ فِيهِمَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا الشَّرْطُ لَجَازَ الْعَقْدُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْوَصْفَ أَقْوَى اتِّصَالًا مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَكَانَ مَشْرُوعًا بِذَاتِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَظَهَرَ أَثَرُ الْقُوَّةِ فِي انْعِقَادِهِ فَاسِدًا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ الْمِلْكَ قَبْلَهُ لَثَبَتَ بِلَا عِوَضٍ إذْ الْمُسَمَّى لَا يَجِبُ لِلْفَسَادِ وَضَمَانُ الْقِيمَةِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّفْعِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ الْمُتَّصِلِ بِهِ فَوُجُوبُ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُؤَدِّي إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ مِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْبَيْعِ الصَّحِيحِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْمَيْتَةِ) أَيْ الْبَيْعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ بَيْعِ الْخَمْرِ بِالدَّرَاهِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ إلَخْ) وَلَنَا أَنَّ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَشَرَطَتْ الْوَلَاءَ لِمَوْلَاهَا وَقَبَضَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا فَأَجَازَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْضَى الْبَيْعَ» فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لَمْ يُجِزْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْتَاقَهَا وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مُنْعَقِدٌ لِوُجُودِ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ مُضَافًا إلَى الْمَحِلِّ أَمَّا الرُّكْنُ فَقَدْ حَصَلَ لِوُجُودِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَأَمَّا الْأَهْلُ فَلِأَنَّ الْعَاقِدَ حُرٌّ عَاقِلٌ بَالِغٌ، وَأَمَّا الْمَحِلُّ فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ لِمَيَلَانِ طِبَاعِ النَّاسِ إلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لِإِهَانَةِ الشَّرْعِ فَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ مَالًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ بَلْ فَسَدَ فَكَانَ أَصْلُ الْبَيْعِ مُنْعَقِدًا وَاشْتَرَطَ الْقَبْضَ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ ضَعِيفًا فَصَارَ كَالْهِبَةِ، وَإِنَّمَا النَّهْيُ وَرَدَ لَا لِمَعْنًى فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ بَلْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ مُجَاوِرٍ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ الْكَلَامُ) أَيْ الْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ هُمَا مَالَانِ. اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ النَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ لِاقْتِضَاءِ التَّصَوُّرِ يُرِيدُونَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ يُقَرِّرُ مَشْرُوعِيَّتَهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَقْتَضِي تَصَوَّرَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ فَائِدَةٌ فَلَيْسَ بِذَاكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ فَائِدَةٌ فَلَيْسَ بِذَاكَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ يَعْنِي إمْكَانَ فِعْلِهِ مَعَ الْوَصْفِ الْمُثِيرِ لِلنَّهْيِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ هَذَا الْمُتَصَوَّرَ يَقَعُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ وَإِنْ أَرَادُوا تَصَوُّرًا شَرْعِيًّا أَيْ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا فَمَمْنُوعٌ، فَإِنْ قَالُوا نُرِيدُ تَصَوُّرَهُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا مَعَ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مُثِيرُ النَّهْيِ قُلْنَا سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ الثَّابِتَ فِي صُورَةِ النَّهْيِ هُوَ الْمَقْرُونُ بِالْوَصْفِ فَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ مَعَهُ وَالْمَشْرُوعُ وَهُوَ أَصْلُهُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا عَنْ ذَاكَ الْوَصْفِ غَيْرِ الثَّابِتِ هُنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَصْلًا إذْ نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ أَعْنِي مَا لَمْ يُقْرَنْ بِالْوَصْفِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فَلَا يُجْدِي شَيْئًا وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ يُقَالُ عَلَيْهِ مَا تُرِيدُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ أَوْ مَا فِيهِ إنْ قُلْت الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سَلَّمْنَا وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ لَكِنَّ الثَّابِتَ الْبَيْعُ الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَا فِيهِ الْوَصْفُ الْمُثِيرُ لِلنَّهْيِ فَلَا تُنَالُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ مَنْعِ أَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ مَعَ النَّهْيِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّمَا الْمَحْظُورُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَالْمُرَادُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِ النَّهْيِ لِعَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، كَمَا إذَا كَانَ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الرُّكْنِ وَإِلَّا فَالنَّهْيُ لِلْمُجَاوِرِ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ لَا الْحَظْرَ وَالنَّهْيُ لِلْوَصْفِ اللَّازِمِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ يُفِيدُ الْحَظْرَ، إلَّا أَنِّي أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ مَعَ ذَلِكَ إنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَا بِمَالٍ فِي شَرِيعَتِنَا فَإِنَّ الشَّارِعَ أَهَانَهُمَا بِكُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَعَنَ حَامِلَهَا وَمُعْتَصِرَهَا مَعَ أَنَّهَا مَفْقُودَةٌ حَالَ الِاعْتِصَارِ بَلْ الْمَوْجُودُ حِينَئِذٍ نِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَمْرًا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَهِيَ مَالٌ فِي شَرْعِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى زَعْمِهِمْ وَحَيْثُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَقَدْ أُمِرْنَا بِاعْتِبَارِ بَيْعِهِمْ إيَّاهَا وَبَيْعِهِمْ بِهَا فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُفِيدَ الْمِلْك فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ ثَمَنًا وَإِنْ كَانَ فِي بَيْعِهِمْ فَصَحِيحٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَظَهَرَ أَثَرُ الْقُوَّةِ) أَيْ أَثَرُ قُوَّةِ الِاتِّصَالِ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>