حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مِلْكِ غَيْرِهِ وَبِالْقَبْضِ يَتَقَرَّرُ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ قُلْنَا لَا تَنَافِي إذَا جُعِلَ مَشْرُوعًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَيِّتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ فَانْعَدَمَ الشَّرْطُ وَإِذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ فَقَدْ جَعَلَهَا مُثَمَّنًا وَهِيَ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ فَلَوْ انْعَقَدَ لَوَجَبَتْ قِيمَتُهَا لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا وَالْقِيمَةُ لَا تَصْلُحُ مُثَمَّنًا، وَإِنَّمَا تَكُونُ ثَمَنًا إذْ لَا عَهْدَ لَنَا فِي الشَّرْعِ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مَبِيعًا فِي صُورَةٍ مِنْ الْبِيَاعَاتِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ) يَعْنِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا وَاللَّامُ تَكُونُ بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] أَيْ فَعَلَيْهَا وَيَتَمَكَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبِيلٍ مِنْ فَسْخِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْآخَرِ لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْفَسْخِ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ عِلْمِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ كَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ فَكَذَلِكَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ لِقُوَّةِ الْفَسَادِ وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ لِشَرْطٍ زَائِدٍ بِأَنْ بَاعَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَكُونُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ الْفَسْخُ دُونَ الْآخَرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّرْطِ إذَا كَانَتْ عَائِدَةً إلَيْهِ كَانَ قَادِرًا عَلَى تَصْحِيحِهِ بِحَذْفِ الشَّرْطِ فَكَانَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَلَوْ فَسَخَ الْآخَرُ لَأَبْطَلَ حَقَّهُ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ النَّقْضَ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَانْتَفَى اللُّزُومُ عَنْ الْعَقْدِ وَمَنْ لَهُ النَّفْعُ قَادِرٌ عَلَى تَصْحِيحِهِ بِالْحَذْفِ أَوْ الْكَلَامِ عَلَى مَا قَبْلَ التَّصْحِيحِ فَيَفْسَخُهُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ فِي الْكُلِّ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ قَالَ (إلَّا أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَهَبَ أَوْ يُحَرِّرَ أَوْ يَبْنِيَ) أَيْ إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ فَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا وَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ سَوَاءٌ كَانَ تَصَرُّفًا يَقْبَلُ الْفَسْخَ أَوْ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا الْإِجَارَةَ وَالنِّكَاحَ فَإِنَّهُمَا لَا يَقْطَعَانِ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ ضَعِيفٌ يُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَفَسَادُ الشِّرَاءِ عُذْرٌ فَيُفْسَخُ وَالنِّكَاحُ لَا يَمْنَعُ فَسْخَ الْبَيْعِ فَيُفْسَخُ وَيُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ وَمَا عَدَاهُمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ يَقْطَعُ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَالْفَسْخُ حَقُّ الشَّرْعِ وَمَا اجْتَمَعَ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِالْقَبْضِ) صِفَةٌ لِلنَّكِرَةِ قَبْلَهُ وَهُوَ فَاسِدٌ. اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ امْتِنَاعًا مِنْ الْحُكْمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ) إذْ صِلَةُ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَقِيَامُ الْبَيْعِ هُوَ بِالْعِوَضَيْنِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ) أَيْ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَسِخُ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ حَضْرَتِهِ نَظِيرُهُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَبَيْعُ ثَوْبٍ بِخَمْرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ) أَيْ غَيْرَ قَوِيٍّ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ إلَخْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إلَّا أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَهَبَ إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ بَاعَ الْمَقْبُوضَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا نَفَذَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ الِاسْتِرْدَادُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ بِبَيْعٍ أَوْ تَمْلِيكٍ مِنْهُ إيَّاهُ غَيْرُهُ جَازَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ لِبَائِعِهِ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي بِبَيْعٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ أَخْرَجَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ إذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَيَطِيبُ ذَلِكَ الْمِلْكُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا يَطِيبُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ فَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ وَلَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيُفْتَى بِالرَّدِّ وَلَا يُقْضَى بِهِ.
وَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَا يَطِيبُ أَيْضًا لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ دَبَّرَهُ صَحَّ عِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ وَاسْتَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ وَلَا يَغْرَمُ الْعُقْرَ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي كِتَابِ الشِّرْبِ عَلَيْهِ الْعُقْرُ وَلَوْ كَاتَبَ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ وَلَكِنَّهُ إذَا أَدَّى الْكِتَابَةَ عَتَقَ وَتَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ الْقِيمَةِ فَإِنْ عَجَزَ وَرَدَّ رَقِيقًا يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْعَجْزُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي يَرُدُّ الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَهَنَ الْمَبِيعَ صَحَّ الرَّهْنُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ وَإِنْ فَكَّهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ فَكَّهُ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ أَجَّرَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الْإِجَارَةُ غَيْرَ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْطِلَ الْإِجَارَةَ وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِمَّا تُفْسَخُ بِالْعُذْرِ وَفَسَادُ الْبَيْعِ صَارَ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ نَافِذًا يُكْرَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَسْخَ مُسْتَحَقٌّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ لَا يَمْنَعُ فَسْخَ الْبَيْعِ فَيُفْسَخُ وَيُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ زَوَّجَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَبْدِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ الْفَسْخِ يَسْقُطُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إلَى الْمُوصَى لَهُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ، وَكَذَا لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي حَقِّ الْفَسْخِ، وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ. اهـ. غَايَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute