وَالثَّانِي رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ وَقِيلَ عَلَى هَذَا لَا يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ.
قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَرَاهِمَ فَقَضَاهُ إيَّاهَا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ طَابَ رِبْحُهُ) أَيْ رِبْحُهُ فِي الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هُنَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِتَصَادُقِهِمَا أَوَّلًا فَمَلَكَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بِالتَّصَادُقِ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الْعَبْدِ وَلَوْلَا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَبَطَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ فَبَاعَهُ عَبْدَ الْغَيْرِ بِالدَّيْنِ فَقَبَضَهُ الْحَالِفُ وَفَارَقَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّ الْمَدِينَ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ بَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا كَانَ مَمْلُوكًا وَهُوَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَيَعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.
قَالَ (وَكُرِهَ النَّجْشُ وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) وَالنَّجَشُ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَامَ السِّلْعَةَ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا بَلْ لِيَرَاهُ غَيْرُهُ فَيَقَعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ النَّجْشِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَأَنْ يَتَنَاجَشُوا» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَخْطِبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ» وَفِي لَفْظٍ «لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطِبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْبَيْعِ الشِّرَاءُ وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ وَلَا يَخْطِبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ» وَرَوَى النَّسَائِيّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ» وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا بِهِ فَيُكْرَهُ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ النَّجْشُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّاغِبُ فِي السِّلْعَةِ يَطْلُبُهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا، وَأَمَّا إذَا طَلَبَهَا بِدُونِ ثَمَنِهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَزِيدَ إلَى أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتَهَا، وَكَذَا السَّوْمُ إنَّمَا يُكْرَهُ فِيمَا إذَا جَنَحَ قَلْبُ الْبَائِعِ إلَى الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْنَحْ قَلْبُهُ وَلَمْ يَرْضَهُ فَلَا بَأْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَزْيَدَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا فِيمَنْ يَزِيدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُقَرَاءِ وَالْحَاجَةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
يَتَعَيَّنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فِي حُكْمِ النَّقْضِ وَالِاسْتِرْدَادُ كَالْغَصْبِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَتَعَيَّنُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ التَّعْيِينِ يَعْنِي فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ اهـ فَقَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ دَمُ التَّعْيِينِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى هَذَا لَا يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا) قَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلُّ مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَرَبِحَ فِيهِ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ يُرِيدُ بِهِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ لِلرَّدِّ بِحُكْمِ الْفَسَادِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِثَالُهُ إذَا اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ حَتَّى فَسَدَ الصَّرْفُ فَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ وَرَبِحَ فِيهَا طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَلَوْ كَانَ الْأَلْفُ غَصْبًا لَمْ يَطِبْ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ شَرْطَ الطِّيبِ الضَّمَانُ وَقَدْ وُجِدَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَرَاهِمَ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاقْضِهَا فَقَضَاهَا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ تَصَرَّفَ فِيهَا وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ يَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَثْبُتُ مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي ادَّعَاهُ فَقَضَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكَانَ الرِّبْحُ حَاصِلًا فِي مِلْكِهِ فَإِذَا تَصَادَقَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَقْبُوضَةُ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْمُسْتَحَقِّ وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ مِلْكًا فَاسِدًا وَالْخَبَثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلِهَذَا طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَلَمْ يَجِبْ التَّصَدُّقُ بِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ) أَيْ وَالْمُسْتَحَقُّ هُوَ الدَّيْنُ وَالْبَدَلُ الدَّرَاهِمُ الْمَقْبُوضَةُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: مَمْلُوكًا) أَيْ مِلْكًا فَاسِدًا. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُرِهَ النَّجْشُ وَالسَّوْمُ إلَخْ) قِيلَ لَمَّا كَانَ الْمَكْرُوهُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ الْفَسَادِ وَلَكِنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْفَسَادِ أَلْحَقَهُ بِالْفَسَادِ وَأَخَّرَهُ عَنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمَعْنَى فِي كَرَاهِيَةِ النَّجْشِ الْغُرُورُ وَالْخِدَاعُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا بَلْ لِيَرَاهُ غَيْرُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الصَّحِيحِ النَّجْشُ أَنْ يَزِيدَ الرَّجُلُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا وَلَكِنْ لِيَسْمَعَهُ غَيْرُهُ فَيَزِيدَ لِزِيَادَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ» إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ لَا يَسْتَامُ «وَلَا يَخْطُبُ» نَفْيٌ أُرِيدَ بِهِ النَّهْيُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي دَلَالَتِهِمَا عَلَى الْعَدَمِ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ حِسًّا فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْخَلَفُ فِي خَبَرِ الشَّارِعِ وَاخْتِيَارُ صِيغَةِ النَّفْيِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ مِنْ النَّهْيِ كَمَا أَنَّ إخْبَارَ الشَّارِعِ أَبْلَغُ مِنْ الْأَمْرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَزِيدَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ قِيمَتَهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِيهَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا) قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ الْحِلْسُ كِسَاءٌ يُطْرَحُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ أَوْ الْحِمَارِ وَالْجَمْعُ أَحْلَاسٌ وَحُلُوسٌ. اهـ. غَايَةٌ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَتَى رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا فِي بَيْتِك شَيْءٌ قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ فَقَالَ ائْتِنِي بِهِمَا فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الرَّجُلَ، وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِك وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَى بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَفَعَلَ ثُمَّ جَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute