للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَاسَّةٌ إلَيْهِ، وَكَذَا النَّهْيُ عَنْ الْخِطْبَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ وَالتَّرَاضِي.

قَالَ (وَتَلَقِّي الْجَلَبِ) أَيْ كُرِهَ تَلَقِّي الْمَجْلُوبِ وَصُورَتُهُ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ يَتَلَقَّى الْمِيرَةَ فَيَشْتَرِي مِنْهُمْ ثُمَّ يَبِيعُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى أَنْ يَتَلَقَّى الْجَلَبَ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ هَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ بِأَنْ كَانُوا فِي قَحْطٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ إلَّا إذَا لَبَسَ السِّعْرُ عَلَى الْوَارِدِينَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَلْقَوْا الرُّكْبَانَ وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ.، وَقَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَفِي الْهِدَايَةِ هَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَعَوَزٍ وَهُوَ يَبِيعُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ هُوَ أَنْ يَجْلِبَ الْبَادِي السِّلْعَةَ فَيَأْخُذَهَا الْحَاضِرُ لِيَبِيعَهَا لَهُ بَعْدَ وَقْتٍ بِأَغْلَى مِنْ السِّعْرِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْجَلْبِ.

قَالَ (وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] وَلِأَنَّ فِيهِ إخْلَالًا بِالْوَاجِبِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ وَهُوَ السَّعْيُ بِأَنْ قَعَدَا لِلْبَيْعِ أَوْ وَقَفَا لَهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَزَاهُ إلَى أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَبِي الْيُسْرِ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ الْبَيْعِ مُطْلَقًا فَمَنْ أَطْلَقَهُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ يَكُونُ تَخْصِيصًا وَهُوَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ وَالْأَذَانُ الْمُعْتَبَرُ فِي تَحْرِيمِ الْبَيْعِ هُوَ الْأَوَّلُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ (لَا بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ) أَيْ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ صَغِيرٍ وَذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) سَوَاءٌ كَانَ الْآخَرُ صَغِيرًا مِثْلَهُ أَوْ كَبِيرًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَبِيعَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتهمَا وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَدْرِكْهُمَا فَارْتَجِعْهُمَا وَلَا تَبِعْهُمَا إلَّا جَمِيعًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي رِوَايَةٍ «وَهَبَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْت أَحَدَهُمَا فَقَالَ لِي مَا فَعَلَ غُلَامَاك فَأَخْبَرْته فَقَالَ لِي رُدَّهُ رُدَّهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَرَدَّ الْبَيْعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرُ يَتَعَاهَدُهُ وَيُشْفِقُ عَلَيْهِ وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ بِاعْتِبَارِ الشَّفَقَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ قُرْبِ الْقَرَابَةِ وَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا إيحَاشُ الصَّغِيرِ وَتَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ ذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ». اهـ. تَجْرِيدُ الْأُصُولِ لِلْبَارِزِيِّ قَوْلُهُ قَعْبٌ الْقَعْبُ الْقَصْعَةُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتَلَقِّي الْجَلَبِ) بِمَعْنَى الْمَجْلُوبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي بَيَانِ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَصُورَتُهُ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْمِصْرِ أُخْبِرَ بِمَجِيءِ قَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ وَأَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَجَدْبٍ فَتَلَقَّى ذَلِكَ الْوَاحِدُ وَيَشْتَرِي مِنْهُمْ جَمِيعَ مَا يَمْتَارُونَ وَيَدْخُلُ الْمِصْرَ وَيَبِيعُهُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ تَرَكَهُمْ فَأَدْخَلُوا مِيرَتَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَبَاعُوهَا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ بِتَفْرِقَةٍ تَوَسَّعَ أَهْلُ الْمِصْرِ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْنَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ لَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ فَلَا يُكْرَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَتُهُ أَنْ يَلْتَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَيَشْتَرِي مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْمِصْرِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ سِعْرَ الْمِصْرِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ فِي الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ سَوَاءٌ اسْتَضَرَّ بِهِ أَهْلُ الْمِصْرِ أَوْ لَمْ يَسْتَضِرُّوا بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ: «وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ») الْحَاضِرُ الْمُقِيمُ فِي الْمُدُنِ وَالْقُرَى وَالْبَادِي الْمُقِيمُ بِالْبَادِيَةِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَنْ يَأْتِيَ الْبَدْوِيُّ الْبَلْدَةَ وَمَعَهُ قُوتٌ يَبْغِي التَّسَارُعَ إلَى بَيْعِهِ رَخِيصًا فَيَقُولُ لَهُ الْحَضَرِيُّ اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأُغَالِيَ فِي بَيْعِهِ فَهَذَا الصَّنِيعُ مُحَرَّمٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا كَالْأَقْوَاتِ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَعُمُّ أَوْ أَكْثَرَ الْقُوتِ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ فَفِي التَّحْرِيمِ تَرَدُّدٌ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ وَأَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَهُوَ لَا يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ حَتَّى يَتَوَسَّعُوا وَلَكِنْ يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ وَأَهْلُ الْمِصْرِ يَتَضَرَّرُونَ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَضَرَّرُونَ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ مِنْهُمْ، وَإِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقِيلَ أَنْ يَتَوَكَّلَ الْمِصْرِيُّ مِنْ الْبَدْوِيِّ لِمُغَالَاةِ السِّعْرِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَأْخُذُهَا الْحَاضِرُ لِيَبِيعَهَا لَهُ بَعْدَ وَقْتٍ بِأَغْلَى مِنْ السِّعْرِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْجَلْبِ) أَيْ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ إلَخْ) نُهِيَ عَنْ الْبَيْعِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَأَقَلُّ أَحْوَالِ النَّهْيِ الْكَرَاهَةُ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>