للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ مُتَفَرِّقٌ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ عَنْ التَّفْرِيقِ ثُمَّ الْمَنْعُ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ التَّفْرِيقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الصَّغِيرِ فَلَا يُمْكِنُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ يَلْحَقُ الضَّرَرُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِإِلْزَامِهِ الْفِدَاءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَإِلْزَامِهِ الْقِيمَةَ لِلْغُرَمَاءِ وَإِلْزَامِهِ الْمَعِيبَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَكَذَا لَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا بِالتَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ أَوْ الْكِتَابَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدَهُمَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَفْرِيقٌ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ إبْقَائِهِ عَلَى الرِّقِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْرِيقٍ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَقْدِرُ أَنْ يَدُورَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ أَوْ مَلَكَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِعْتَاقِ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا وَأُمُّهُ كَافِرَةً بِأَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ وَتَبِعَهُ فِيهِ وَمَوْلَاهُمَا كَافِرٌ يُؤْمَرُ بِبَيْعِ الْوَلَدِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ إبْقَائِهِ فِي ذُلِّ الْكَافِرِ وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا حُرًّا كَانَ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَلَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ أَعْظَمُ وَالْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ.

وَلَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ قَرِيبَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْقُرْبِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ قَرَابَتِهِمَا لَهُ لَا يُفَرَّقُ وَلَا يُبَاعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا دُونَهُمَا وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبَوَيْنِ بِأَنْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ مَعًا أَوْ عَمُّهُ وَخَالُهُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَفَقَةً لَيْسَ لِلْآخَرِ وَلَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتِئْنَاسٌ خِلَافُ الِاسْتِئْنَاسِ بِالْآخَرِ وَإِنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ قَرَابَتِهِمَا كَالْأَخَوَيْنِ أَوْ الْخَالَيْنِ أَوْ الْعَمَّيْنِ لِأَبٍ وَأُمِّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ يَكْتَفِي بِأَحَدِهِمَا مَعَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الصَّغِيرِ مَرْعِيٌّ بِهِ فَيَبِيعُهُ أَوْ يَتْرُكُهُ مَعَ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الْأُمِّ أَوْ الْجَدَّةِ عَمُّهِ أَوْ خَالُهُ أَوْ أَحَدُ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ أَوْ كَانَ مَعَ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمِّ أُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لَا يُعْتَدُّ بِالْأَبْعَدِ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ مَعَ شَفَقَةِ الْأَقْرَبِ كَالْمَعْدُومِ وَنَفَذَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ إيحَاشِ الصَّغِيرِ أَوْ الْإِضْرَارِ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ بِالْوَارِدِينَ إذَا لَبِسَ السِّعْرُ عَلَيْهِمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُفْسِدُ فِي الْجَمِيعِ لِمَا رَوَيْنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّ الْبَيْعَ فِي الْوِلَادِ وَأَمَرَ بِالرَّدِّ فِي غَيْرِهِ» وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْفَاسِدِ وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ فَيَنْفَدُ وَالنَّهْيُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ لَهُ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِهِ فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَكَشِرَاءِ مَا اسْتَامَهُ غَيْرُهُ وَالْمَرْوِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِقَالَةِ أَوْ عَلَى بَيْعِ الْآخَرِ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا.

قَالَ (بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ وَالزَّوْجَيْنِ) حَيْثُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُمَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَيْنِ أَوْ الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَيْسَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُمْ أَصَابُوا مِنْ فَزَارَةَ سَبْيًا وَفِيهِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا بِنْتُهَا فَنَفَلَهُ أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ فَذَكَرَ أَنَّهَا أَعْجَبَتْهُ وَلَمْ يَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا ثُمَّ قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبَعَثَ بِهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَفِي أَيْدِيهِمْ أَسَارَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَفَدَاهُمْ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ» وَالْحَدِيثُ فِيهِ طُولٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ «وَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ» وَكَانَتَا أَمَتَيْنِ أُخْتَيْنِ وَلَوْ كَانَ مَعَ امْرَأَةٍ مَسْبِيَّةٍ صَبِيٌّ ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ النَّسَبَ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الدَّيَّانَاتِ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَقَدْ وَجَدَ فِيهِ أَمَارَةَ الصِّدْقِ وَلَوْ بَاعَ الْأُمَّ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ اشْتَرَى الْوَلَدَ يُكْرَهُ التَّنْفِيذُ؛ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ فَيُعْتَبَرُ مُفَرِّقًا بِالتَّنْفِيذِ وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ صَبِيٌّ وَاشْتَرَى أُمَّهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُفَرِّقًا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ لَتَضَرَّرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ حَقُّهُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ) أَيْ كَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ) أَيْ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ وَامْرَأَةِ الْأَبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ) الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْمُحَرَّمَاتِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَنَفَذَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي كُلِّ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ النَّجْشُ إلَى هُنَا اهـ. قَوْلُهُ: «وَفَرَّقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ أَهْدَاهُمَا لَهُ الْمُقَوْقَسُ مَلِكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَمِصْرَ وَكَانَتْ مَارِيَةُ بَيْضَاءَ جَعْدَةً جَمِيلَةً فَوَطِئَهَا بِالْمِلْكِ فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمُ فَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَوَهَبَ أُخْتَهَا سِيرِينَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَلَمْ يَكُنْ بِمِصْرَ أَحْسَنُ وَلَا أَجْمَلُ مِنْهُمَا وَهُمَا مِنْ أَهْلِ حَفْنٍ مِنْ كُورَةِ أَنْصِنَا فَلَمَّا رَآهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْجَبَتَاهُ وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا تُشْبِهُ الْأُخْرَى فَقَالَ اللَّهُمَّ اخْتَرْ لِنَبِيِّك فَاخْتَارَ اللَّهُ لَهُ مَارِيَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا قُولَا نَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَبَدَرَتْ مَارِيَةُ فَتَشَهَّدَتْ قَبْلَ أُخْتِهَا وَمَكَثَتْ أُخْتُهَا سَاعَةً ثُمَّ تَشَهَّدَتْ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ بَقِيَ إبْرَاهِيمُ مَا تَرَكْت قِبْطِيًّا إلَّا وَضَعْت عَنْهُ الْجِزْيَةَ» وَقَدْ انْقَطَعَ أَهْلُهَا وَأَقَارِبُهَا إلَّا بَيْتًا وَاحِدًا، مَاتَتْ مَارِيَةُ سَنَةَ (١٥) وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ اهـ مِنْ الْمِصْبَاحِ الْمُضِيءِ.

(قَوْلُهُ: يُكْرَهُ التَّنْفِيذُ) أَيْ تَنْفِيذُ الْبَيْعِ فِي الْأُمِّ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>