إذَا لَمْ يُبَيِّنْ وَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مِنْ سَيِّدِهِ جَازَ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ وَاشْتِرَاطُ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ كَأَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ مَعَ الدَّيْنِ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً فَمَعَ عَدَمِ الدَّيْنِ أَوْلَى لِوُجُودِ مِلْكِ الْمَوْلَى فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِدَيْنِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبُ فِي هَذَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ بَيْنَهُمَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ مُضَارِبًا يَبِيعُ مُرَابَحَةً رَبَّ الْمَالِ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) أَيْ لَوْ كَانَ مَنْ عَمِلَ هَذَا الْعَمَلَ مُضَارِبًا بِأَنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ سُلِّمَ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَيَحُطُّ عَنْ الثَّمَنِ فَيَبْقَى اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ خَارِجَةً عَنْ مِلْكِهِ عَشَرَةٌ مِنْهَا دَفَعَهَا الْمُضَارِبُ إلَى بَائِعِهِ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ بِحُكْمِ أَنَّهُ الثَّمَنُ فَتَمَّ مَا خَرَجَ مِنْهُ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الثَّوْبِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَنِصْفٌ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهَا، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَالِهِ بِمَالِهِ قُلْنَا يَسْتَفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَذَا الْعَقْدِ مِلْكَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ فَكَانَ صَحِيحًا لِإِفَادَتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ إفَادَةُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَب تَجُوزُ تَصَرُّفَاتُهُ وَلَا يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ لَا الْمِلْكَ عَيْنًا وَقَدْ وُجِدَتْ الْفَائِدَةُ هُنَا أَمَّا فِي حَقِّ الْمُضَارِبِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِالشِّرَاءِ وَلَا يَمْلِكُهُ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ تَعَلَّقَ لَهُ بِهِ حَقٌّ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ وَطْءَ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُضَارِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا رِبْحٌ، وَكَذَا لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ بَيْعِ الْعُرُوضِ وَالْكَلَامِ فِيهِ لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ كَأَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ نُسَخُ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَدْ قَيَّدَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ دَيْنَ الْعَبْدِ بِالْمُسْتَغْرِقِ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ أَوْ غَيْرُ مُحِيطٍ وَقَاضِي خَانْ قَيَّدَ بِالْمُحِيطِ أَيْضًا وَالْعَتَّابِيُّ قَيَّدَ بِالْمَأْذُونِ فَحَسْبُ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّيْنَ أَصْلًا، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ اشْتَرَى مِنْ مَمَالِيكِهِ وَعَبْدُهُ الْمَأْذُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَمُكَاتَبُهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَقَلِّ الضَّمَانَيْنِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَكِنْ فَسَّرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالشِّرَاءُ الثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ.
فَإِذَا اشْتَرَى مِنْهُ الْمَوْلَى صَارَ كَأَنَّ الْمَوْلَى اشْتَرَى مَالَ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ فِي هَذَا الشِّرَاءِ فَائِدَةٌ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ شِرَاءُ الْمَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِهَذَا الشِّرَاءِ يَسْتَفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ وَلَكِنْ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إلَّا بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَالِهِ لِنَفْسِهِ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْعَبْدِ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَشِرَاءُ الْمَوْلَى مِنْهُ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ بِشِرَاءٍ مِنْ وَجْهٍ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بَيْعُ الْأَمَانَةِ فَيُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ فَيَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَقْدَ الْوَاقِعَ بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَالْمُكَاتَبِ جَائِزٌ لِإِفَادَةِ مِلْكِ الْيَدِ وَلَكِنْ لَهُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْعَبْدِ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّ الْمَوْلَى، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَوْلَى قَضَاءُ دَيْنِ الْعَبْدِ وَاسْتِخْلَاصُ أَكْسَابِهِ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إذَا عَجَزَ وَرَدَّ فِي الرِّقِّ تُسَلَّمُ أَكْسَابُهُ لِلْمَوْلَى فَكَانَ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ وَاقِعًا لِلْمَوْلَى فَإِذَا بَاعَ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ يُجْعَلُ الْعَقْدُ كَالْعَدَمِ لِلشُّبْهَةِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي كَالْوَكِيلِ عَنْ مَوْلَاهُ فَلَوْ ثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ حَقِيقَةً لَمْ يَبِعْهُ إلَّا عَلَى عَشَرَةٍ فَلِذَا تَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَإِذَا اشْتَرَى مِنْ مَوْلَاهُ يُجْعَلُ الْعَبْدُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ عَنْ مَوْلَاهُ فَلَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ ثَابِتَةً حَقِيقَةً لَمْ يَبِعْ الْمَوْلَى إلَّا عَلَى عَشَرَةٍ فَكَذَا إذَا تَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ الْوَكَالَةِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ كَانَ مُضَارِبًا يَبِيعُ مُرَابَحَةً رَبَّ الْمَالِ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُخَالِفُ هَذَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ إلَخْ وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ سِلْعَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةٍ وَبَاعَهَا مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَبِيعُهَا بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إلَّا إذَا بَيَّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ وَهَذَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ بَيْعُ أَمَانَةٍ يَجِبُ صَوْنُهَا عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَتِهَا مَا أَمْكَنَ وَفِي بَيْعِ هَؤُلَاءِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ شُبْهَةٌ وَتُهْمَةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: قُلْنَا يَسْتَفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَذَا الْعَقْدِ مِلْكَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ) أَيْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ انْقَطَعَتْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ ثُمَّ لَمَّا اشْتَرَى مِنْ الْمُضَارِبِ اسْتَفَادَ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُضَارِبَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ جَائِزٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ الْجَوَازِ لِمَا قُلْنَا مِنْ جِهَةِ زُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ عَنْهُ) أَيْ، وَلِهَذَا تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ وَمِنْ وَجْهٍ لِلْمُضَارِبِ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى لَا يَجُوزُ حَجْرُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي الْبَيْعِ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ يَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ لِلِاحْتِيَاطِ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ) أَيْ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ رَبِّ الْمَالِ يُسَلِّمُ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ فَيَحُطُّ عَنْ الثَّمَنِ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَلَا فِي نَصِيبِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ فَلِذَلِكَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَنِصْفٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute