للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُرَابِحُ بِلَا بَيَانٍ بِالتَّعَيُّبِ وَوَطْءِ الثَّيِّبِ) أَيْ إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ أَوْ وَطِئَ الثَّيِّبَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْتَبَسْ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ وَصْفٌ وَهُوَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا، وَلِهَذَا لَوْ حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ غَيْرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكِهِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ إذَا لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ وَمَعْنَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ بِالصِّدْقِ وَهُوَ صَادِقٌ إذَا بَقِيَ جَمِيعُ مَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّعَيُّبِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ كَمَا إذَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ عَلَى اخْتِلَافِ تَخْرِيجِهِمَا فَإِنَّ زُفَرَ يُوجِبُ الْبَيَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ غَيْرَ مَعِيبٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ بَعْدَمَا دَخَلَهُ الْعَيْبُ وَالشَّافِعِيُّ يُوجِبُ الْبَيَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُ وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَنَحْنُ نَقُولُ مَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ كُلُّهُ قَائِمٌ فَلَا يُبَالِي بِذَهَابِ مَا لَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَوَسَّخَ الثَّوْبُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا نَقَصَ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ هَذَا إذَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ شَيْئًا يَسِيرًا وَإِنْ نَقَصَهُ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِبَيَانٍ بِالتَّعْيِيبِ وَوَطْءِ الْبِكْرِ) أَيْ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِشَرْطِ أَنْ يُبَيِّنَ الْعَيْبَ إذَا كَانَ حَادِثًا بِالتَّعْيِيبِ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَوَطْءُ الْبِكْرِ تَعْيِيبٌ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ فَإِزَالَتُهَا تَعْيِيبٌ لَهَا فَيُقَابِلُهُ الثَّمَنُ وَإِنْ تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ فِي نَفْسِهِ كَمَا إذَا فَقَأَ عَيْنَ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَجَازَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ هَدَرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ أَصَابَهُ الْعَيْبُ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا بَيَانُ نَفْسِ الْعَيْبِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِأَنْ يُبَيِّنَ الْعَيْبَ وَالثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ الْعَيْبُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ بَيَانَ مَا فِيهِ مِنْ الْعَيْبِ وَاجِبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» فَلَا يَجُوزُ إخْفَاؤُهُ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً إلَّا بِبَيَانٍ فَلَمْ يُبَيِّنْ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ خِيَانَتَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَلَوْ تَكَسَّرَ بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفٍ نَسِيئَةً وَبَاعَ بِرِبْحٍ مِائَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّهُ يُزَادُ عَلَى الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ فَكَانَ لَهُ شُبْهَةٌ بِالْمَبِيعِ وَالشُّبْهَةُ فِي هَذَا الْبَابِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى ثَمَنِهِمَا فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ أَوْ نَقُولُ: إنَّ الثَّمَنَ الْمُؤَجَّلَ أَنْقَصُ فِي الْمَالِيَّةِ مِنْ الْحَالِّ، وَلِهَذَا حَرَّمَ الشَّرْعُ النَّسَاءَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَيَكُونُ مَا أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَزْيَدَ فِي الْحُكْمِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، وَكَذَا فِي التَّوْلِيَةِ إذَا عَلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مُؤَجَّلًا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَتْلَفَ فَعَلِمَ لَزِمَ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ) أَيْ إذَا أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مُؤَجَّلًا لَزِمَهُ أَلْفٌ وَمِائَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَرَفُّهٌ فَيَزْدَادُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا نَظَرًا لِهَذَا الْجَانِبِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ فَإِذَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْقَ لَهُ الْخِيَارُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ مَثَلًا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُحْتَبَسْ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يُقَابِلْهُ الْبَدَلُ فَكَانَ كَالِاسْتِخْدَامِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ إلَخْ) وَفِي قَوْلِ زُفَرَ إذَا اعْوَرَّتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا الَّتِي اشْتَرَاهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَوْلُ زُفَرَ أَجْوَدُ ثُمَّ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ.

(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهُ) هَذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا إذْ يَجِبُ الْبَيَانُ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْأَرْشَ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ أَخْذِ الْأَرْشِ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ جُزْءًا صَارَ مَقْصُودًا أَوْ حَبَسَ بَدَلَهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِي مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِزَالَتُهَا تَعْيِيبٌ لَهَا فَيُقَابِلُهُ الثَّمَنُ) أَيْ وَكَذَا لَوْ حُبِسَ نَمَاؤُهُ كَالثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ أَوْ هَلَكَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ جَازَ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ. اهـ. زَاهِدِيٌّ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَهَا لَبَنٌ فَآجَرَهَا لِتُرْضِعَ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مَا وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ فَلَمْ يَأْخُذْ الْعِوَضَ عَنْ عَيْنٍ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْعِوَضَ عَنْ الْمَنَافِعِ الْحَادِثَةِ عَلَى مِلْكِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَرْضُ فَأْرٍ) الْقَرْضُ بِالْقَافِ وَالْفَاءِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ) أَيْ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَابِعَةٌ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي) أَيْ فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى ثَمَنِهِمَا) أَيْ وَذَلِكَ حَرَامٌ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَكَذَا هَذَا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ) أَيْ كَمَا فِي الْعَيْبِ. اهـ. هِدَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فَإِذَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ بِوَجْهٍ بِأَنْ بَاعَهُ أَوْ بِوَجْهٍ آخَرَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْقَ لَهُ الْخِيَارُ) أَيْ وَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>