للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا حَقِيقَةُ الْعِلَّةِ فَيَكُونُ لِأَحَدِهِمَا شُبْهَةُ الْعِلَّةِ فَيَحْرُمُ بِحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ حَقِيقَةُ الْفَضْلِ وَهُوَ الْقَدْرُ؛ لِأَنَّهُ تَفَاضُلٌ حَقِيقَةً وَيَحْرُمُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ شُبْهَةُ الْفَضْلِ وَهُوَ النَّسَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْفَضْلَ فَلَيْسَ بِتَفَاضُلٍ حَقِيقَةً إعْمَالًا لِلدَّلِيلِ بِقَدْرِهِ وَلَا يُقَالُ أَحَدُهُمَا جُزْءُ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا حُرْمَةُ النَّسَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: أَحَدُهُمَا عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ حُرْمَةُ النَّسَاءِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعِلَّةِ فِي حَقِّ رِبَا الْفَضْلِ حَقِيقَةً فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْظُورُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا الْوَزْنُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا جَازَ النَّسَاءُ أَيْضًا كَالنَّقْدَيْنِ مَعَ الْقُطْنِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ وَزْنِهِمَا مُخْتَلِفٌ إذْ النَّقْدَانِ يُوزَنَانِ بِالصَّنَجَاتِ وَلَا يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ الْوَزْنِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ فَكَانَا مُخْتَلِفَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا فَلَا يَحْرُمُ النَّسَاءُ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَيْهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ» الْحَدِيثُ أَجَازَ السَّلَمَ بِالْوَزْنِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ هُوَ الْغَالِبُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَكَانَ رَدًّا لَهُ بِالرَّأْيِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّا بِعَدَمِهِمَا) أَيْ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ بِعَدَمِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُرْمَةِ إذْ الْأَصْلُ الْجَوَازُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْحُرْمَةُ تُعَارِضُ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْبَيْعَ بِقَوْلِهِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَالْمَوْزُونِ كَالنَّقْدَيْنِ وَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّطْلِ بِجِنْسِهِ مُتَسَاوِيًا لَا مُتَفَاضِلًا) أَمَّا بَيْعُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ الْمَنْسُوبِ إلَى الرَّطْلِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّا أَحْكَامَهُ وَأَمَّا مَا يُنْسَبُ إلَى الرَّطْلِ مِنْهُ فَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ كَيْلُ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ قِيلَ: إنَّهُ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ أَخَذَهُ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا رِبَا بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا حَقِيقَةٌ) أَيْ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَحْرُمُ بِحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ) وَذَلِكَ بِوُجُودِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ) وَهِيَ أَحَدُ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْظُورُ) أَيْ وَهُوَ تَوْزِيعُ أَجْزَاءِ الْحُكْمِ عَلَى أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ اهـ (قَوْلُهُ إذْ النَّقْدَانِ يُوزَنَانِ بِالصَّنْجَاتِ) أَيْ وَالْمَثَاقِيلِ وَالزَّعْفَرَانِ وَأَمْثَالُهُ بِالْأَمْنَاءِ وَالْقَبَّانِ وَهَذَا اخْتِلَافُ الْوَزْنِ بَيْنَهُمَا صُورَةٍ النُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَالزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمَا مَعْنًى وَالتَّصَرُّفُ فِي النُّقُودِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مَوْزُونَةً وَقَبَضَ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُوَازَنَةً بِدُونِ إعَادَةِ الْوَزْنِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يُشْتَرَطُ إعَادَةُ الْوَزْنِ إذَا اشْتَرَى مُوَازَنَةً وَهَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمَا حُكْمًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَا مُخْتَلِفَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا) هَذَا عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ فَقَوْلُهُ صُورَةً يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْقُطْنَ يُوزَنُ بِالْأَمْنَاءِ وَالنَّقْدَيْنِ بِالصَّنْجَاتِ وَقَوْلُهُ وَمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ وَقَوْلُهُ وَحُكْمًا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا قَبْلَ الْوَزْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَلَّا بِعَدَمِهِمَا) كَمَا إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ حَيْثُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بِأَنْ يُبَاعَ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ كَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِالْمَرْوِيِّ وَالْجَوْزِ بِالْبَيْضِ وَالْحَيَوَانِ بِالثِّيَابِ وَيَجُوزُ نَسِيئَةً أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُغَيَّرُ أَبَدًا عَنْ ذَلِكَ بَلْ يُعْتَبَرُ مَا كَانَ مَكِيلًا فِي عَهْدِهِ مَكِيلًا وَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسَاوِي بِالْكَيْلِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ دُونَ الْكَيْلِ حَتَّى لَوْ تَسَاوَى الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَزْنًا لَا كَيْلًا لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ الشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ وَمَا كَانَ مَوْزُونًا فِي عَهْدِهِ يُعْتَبَرُ مَوْزُونًا أَبَدًا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ دُونَ الْوَزْنِ حَتَّى لَوْ تَسَاوَى الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ كَيْلًا لَا وَزْنًا لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةٌ عَلَيْنَا وَلِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» قَالَ الْقُدُورِيُّ وَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ وَهَذَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعُرْفَ يُعْتَبَرُ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ وَإِذَا تَبَدَّلَتْ الْعَادَةُ يُؤْخَذُ بِهَا وَتُتْرَكُ تِلْكَ الْعَادَةُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ دُونَ الْكَيْلِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ دُونَ الْوَزْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَجْرِي بِوَزْنِ الْحِنْطَةِ وَكَيْلِ الذَّهَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ قَالَ الْكَمَالُ: لِأَنَّ الْعُرْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ كَتَعَارُفِ أَهْلِ زَمَانِنَا فِي إخْرَاجِ الشُّمُوعِ وَالسُّرُجِ إلَى الْمَقَابِرِ لَيَالِي الْعِيدِ وَالنَّصُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ وَلِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْعُرْفِ عَلَى الَّذِينَ تَعَارَفُوهُ وَالْتَزَمُوهُ فَقَطْ وَالنَّصُّ حُجَّةٌ عَلَى الْكُلِّ فَهُوَ أَقْوَى وَلِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَفِي الْمُجْتَبَى ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مَا يَعْتَادُهُ أَهْلُ خُوَارِزْمَ مِنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الرَّبِيعِيَّةِ بِالْخَرِيفِيَّةِ مَوْزُونًا مُتَسَاوِيًا لَا يَجُوزُ اهـ وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْعُرْفِ إلَخْ فِيهِ تَأَمُّلٌ يَجِبُ تَحْرِيرُهُ اهـ اق (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكُلُّ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ فَهُوَ وَزْنِيٌّ مَعْنَاهُ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ؛ لِأَنَّهَا قُدِّرَتْ بِطَرِيقِ الْوَزْنِ حَتَّى يَحْسِبَ مَا يُبَاعُ بِهَا وَزْنًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَكَايِيلِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>