للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الْعَظْمُ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَتَضَمُّنِ التَّمْرِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ النَّوَى وَكَتَضَمُّنِ الْأَلْيَةِ الْعَظْمَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَتِهِ مِنْ سِمَنٍ وَهُزَالٍ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ فُصُولِ السَّنَةِ فَمَا يُعَدُّ سَمِينًا فِي الشِّتَاءِ يُعَدُّ مَهْزُولًا فِي الصَّيْفِ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ عِظَامًا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَتَجْرِي فِيهِ الْمُمَاكَسَةُ فَالْمُشْتَرِي يَأْمُرُهُ بِالنَّزْعِ وَالْبَائِعُ يَدُسُّهُ فِيهِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْمُنَازَعَةِ لَا تَرْتَفِعُ بِبَيَانِ الْمَوْضِعِ وَذِكْرِ الْوَزْنِ فَصَارَ كَالسَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ النَّوَى فِي الثِّمَارِ أَوْ الْعَظْمِ فِي الْأَلْيَةِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ وَلِهَذَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْمُمَاكَسَةُ وَفِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّلَ بِعِلَّتَيْنِ لَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ إحْدَاهُمَا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فِي رِوَايَةِ بُيُوعِ الْجَامِعِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَلَئِنْ سُلِّمَ فِيهِمَا فَهُوَ مُعَايَنٌ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَالِاسْتِقْرَاضِ فَيُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ السَّلَمَ فِي اللَّحْمِ وَهُمَا لَا يُجَوِّزَانِهِ فِيهِ وَجَوَابُهُمَا فِيمَا إذَا بَيَّنَ مَوْضِعًا مِنْهُ مَعْلُومًا وَهُوَ يُجَوِّزُهُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ ثَابِتٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِكْيَالٌ أَوْ ذِرَاعٌ لَمْ يَدْرِ قَدْرَهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِمِكْيَالٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَضِيعَ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًّا حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ يَجِبُ فِي الْحَالِ فَلَا يُتَوَهَّمُ فَوْتُهُ وَفِي السَّلَمِ يَتَأَخَّرُ التَّسْلِيمُ فَيُخَافُ فَوْتُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ لَا يَجُوزُ لِلْمُنَازَعَةِ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ قَدْرُهُ فَالتَّقْدِيرُ بِهِ لِبَيَانِ الْقَدْرِ لَا لِتَعَيُّنِهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنْكَبِسِ وَغَيْرِ الْمُنْكَبِسِ أَوْ التَّجْوِيزُ فِي قِرَبِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ حَيْثُ يَجُوزُ بِإِنَاءٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ أَنْ لَا يَنْكَبِسَ وَلَا يَنْبَسِطَ وَيُقَيَّدُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ قِرَبِ الْمَاءِ أَيْضًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبُرُّ قَرْيَةٍ وَتَمْرُ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتَرِيهِمَا آفَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ لِبَيَانِ النَّوْعِ بِأَنْ كَانَ لَهُ نَظِيرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى إقْلِيمٍ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُهُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَالْأَجَلِ) كَقَوْلِهِ حِنْطَةٌ سَقِيَّةٌ جَيِّدَةٌ عَشْرَةُ أَكْرَارٍ إلَى شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَنْتَفِي بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَجَلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» مُطْلَقًا وَاشْتِرَاطُهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُمَا إنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنَ الْمِثْلَ قُلْنَا: ذَاكَ مَمْنُوعٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ أَلَا تَرَى مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبَيْعِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ لَحْمًا فَشَوَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَكَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْمِثْلِ وَلَا تُوجَدُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: تَضْمِينُ اللَّحْمِ بِالْمِثْلِ قَوْلُهُمَا، ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْت وَسَطَ غَصْبِ الْمُنْتَقَى رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا اسْتَهْلَكَ لَحْمًا قَالَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَنَمْنَعُ الِاسْتِقْرَاضَ وَزْنًا فَنَقُولُ ذَلِكَ مَذْهَبُهُمَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ اخْتِيَارِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إذَا انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَنَقُولُ ذَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ الْمِثْلُ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي مِثْلِ الشَّيْءِ صُورَةٌ وَمَعْنًى فَيَكُونُ أَعْدَلَ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلٌ مَعْنًى لَا صُورَةً وَلَيْسَ اسْتِقْرَاضُ اللَّحْمِ كَالسَّلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَا يُعْلَمُ اللَّحْمُ عَلَى أَيِّ حَالٍ يَكُونُ مِنْ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ بِخِلَافِ الِاسْتِقْرَاضِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ حَالٌّ مُعَايَنٌ فَلَا تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًا حَيْثُ يَجُوزُ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: بِعْت مِنْك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِمِلْءِ هَذَا الْإِنَاءِ بِدِرْهَمٍ وَلَا يَدْرِي كَمْ يَسَعُ الْإِنَاءَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَيْسَ بِمُجَازَفَةٍ وَلَا مُكَايَلَةٍ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى إحْدَاهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِعَيْنِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي نُسَخِ الْمَتْنِ مُعَيَّنَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ لِبَيَانِ النَّوْعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ إلَى قَرْيَةٍ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا كالخشرماني بِبُخَارَى والبساخي بِفَرْغَانَةَ اهـ قَوْلُهُ لِبَيَانِ الصِّفَةِ يَعْنِي لِبَيَانِ الْجَوْدَةِ قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا أَيْ عَلَى مَا قَالَ الْمَشَايِخُ. كالخشرماني بِبُخَارَى وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ مُسَمًّى بِذَلِكَ ثَمَّةَ والبساخي بِفَرْغَانَةَ وَهُوَ أَيْضًا نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ عِنْدَهُمْ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ النِّسْبَةَ فِي الثَّوْبِ لِبَيَانِ الصِّفَةِ كَمَا إذَا قَالَ زَنْدَنِيجِيٌّ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ الزَّنْدَنِيجِيَّ مَا يُنْسَجُ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ سَوَاءٌ نُسِجَ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى لَوْ كَانَ ذَكَرَ النِّسْبَةَ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْمَكَانِ كالخشرماني بِبُخَارَى فَإِنَّهُ يُذْكَرُ لِبَيَانِ الْجَوْدَةِ فَلَا يَفْسُدُ السَّلَمُ وَإِنْ تَوَهَّمَ انْقِطَاعَ حِنْطَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>