للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَبِضَمِنْتُهُ) أَيْ تَصِحُّ بِقَوْلِهِ ضَمِنْته لَك؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلتَّسْلِيمِ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالتَّصْرِيحِ بِمُوجَبِهِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَلَيَّ) يَعْنِي تَصِحُّ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلْوُجُوبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِلَيَّ)؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى عَلَيَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ كَلًّا، أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنَا زَعِيمٌ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى زَعِيمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ يُوسُفَ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] أَيْ كَفِيلٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبِيلٌ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ الْكَفِيلُ وَلِهَذَا يُسَمَّى الصَّكُّ قَبَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْحَقَّ فَيَكُونُ وَثِيقَةً كَالْكَفِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) أَيْ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا بِقَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ لَك بِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الْكَفَالَةَ.

وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ الْتَزَمَ مَعْرِفَتَهُ دُونَ الْمُطَالَبَةِ فَصَارَ كَالْتِزَامِهِ دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ أُوقِفُك عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ أَحْضَرَهُ فِيهِ إنْ طَلَبَهُ)؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالشَّرْطِ فِي الْكَفَالَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ طَلَبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ بَعْدَهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَحْضَرَهُ، وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ)؛ لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَا عَرَفَ لِمَاذَا يُدْعَى فَيُمْهِلُهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مَطْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ، وَهُوَ لَيْسَ بِظَالِمٍ قَبْلَ الْمُمَاطَلَةِ قَالَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ كَمَا فَصَّلَ فِي الْحَبْسِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ قِيلَ: إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ لَا يُعَجِّلُ بِحَبْسِهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ بِأَوَّلِ الْوَهْلَةِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ كَمَا وَجَبَ لِظُهُورِ مَطْلِهِ بِالْإِنْكَارِ فَكَذَا هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ.

وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ عَجْزُهُ، فَلَا مَعْنَى لِحَبْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفِيلِ فَيُلَازِمُهُ وَيُطَالِبُهُ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ جَعَلَهُ كَالْمُفْلِسِ بِالدَّيْنِ إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَابَ أَمْهَلَهُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ، وَإِيَابِهِ) أَيْ، وَإِنْ غَابَ الْمَكْفُولُ بِنَفْسِهِ يُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَلَا يَحْبِسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مَطْلُهُ بَعْدُ وَالْحَبْسُ لِلْمُمَاطَلَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ) أَيْ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مَطْلُهُ، وَالْحَبْسُ جَزَاؤُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَقَدْ صَدَّقَهُ الطَّالِبُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمَدِينِ إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْكَفِيلُ: لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ، وَقَالَ الطَّالِبُ: تَعْرِفُ، يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ خُرْجَةٌ مَعْرُوفَةٌ يَخْرُجُ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ لِلتِّجَارَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلطَّالِبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِضَمِنْتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُ ضَمِنْت بِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُوجَبِهِ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ لُزُومُ الضَّمَانِ فِي الْمَالِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ ضَمِنْته مِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لَا النَّفْسِ وَقَدْ تَبِعَ الْكَمَالَ فِي هَذَا تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فَقَالَ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَبِقَوْلِهِ ضَمِنْته هَذِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَيَنْبَغِي الْإِفْصَاحُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا فِي النَّفْسِ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنِّي قَدْ رَاجَعْت بِعَوْنِ اللَّهِ نُقُولًا كَثِيرَةً مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى فَبَعْضُهُمْ يُصَرِّحُ بِأَنَّ ضَمِنْت مِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ كَالنَّسَفِيِّ فِي كَافِيهِ وَبَعْضُهُمْ فِي قُوَّةِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَهَا فِي الْكَفَالَةِ لَا بِالنَّفْسِ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا فِي أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ضَمِنْته أَوْ هُوَ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ أَنَا زَعِيمٌ بِهِ أَوْ قَبِيلٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمَانِ النَّفْسِ أَوْ ضَمَانِ الْمَالِ بِهَا اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ إذَا أُطْلِقَتْ تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَتَتَمَحَّضُ حِينَئِذٍ لِلْكَفَالَةِ بِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) أَيْ، وَكَذَا بِمَعْرِفَتِهِ، وَكَذَا أَنَا ضَامِنٌ عَلَى أَنْ أُوقِفَك عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ أَدُلَّك عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْزِلِهِ وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِتَعْرِيفِهِ أَوْ عَلَى تَعْرِيفِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ أَنْ يَلْزَمَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُتَعَدٍّ لِاثْنَيْنِ فَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ يُعَرِّفَهُ الْغَرِيمَ بِخِلَافِ مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا مَعْرِفَةَ الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ وَعَنْ نُصَيْرٍ قَالَ سَأَلَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَبَا سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيَّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ أَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِيك لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ قَالَ هَذَا عَلَى مُعَامَلَةِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ هَذَا الْقَوْلُ فِي النَّوَازِلِ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَالظَّاهِرُ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي خِزَانَةِ الْوَاقِعَاتِ وَبِهِ يُفْتَى أَيْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ نُصَّ فِي الْمُنْتَقَى فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَك بِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ يَلْزَمُهُ وَعَلَى هَذَا مُعَامَلَةُ النَّاسِ وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَوْ قَالَ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ لَك أَوْ أُسَلِّمُهُ إلَيْك أَوْ أَقْبِضُهُ لَا يَكُونُ كَفَالَةً مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ مُتَفَرِّقَاتِ خَالِهِ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا قَالَهُ مُنَجِّزًا فَلَوْ مُعَلَّقًا يَكُونُ كَفَالَةً نَحْوَ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ تُؤَدِّ فَأَنَا أُؤَدِّي نَظِيرُهُ فِي النَّذْرِ لَوْ قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: قَالَ الْفَقِيرُ إلَخْ) هَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ تَفَقُّهِ الشَّارِحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ أَصْلِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا فَقَدْ ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْأَصْلِ اهـ.

(قَوْلُهُ، فَلَا مَعْنَى لِحَبْسِهِ) كَمَا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ تَبْطُلُ اهـ.

فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَإِنْ غَابَ) أَيْ وَعَلِمَ مَكَانَهُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ) أَيْ إلَى أَنْ يَظْهَرَ لِلْقَاضِي تَعَذُّرُ الْإِحْضَارِ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَوْ لِشُهُودٍ بِذَلِكَ فَيُخْرَجُ مِنْ الْحَبْسِ وَيُنْظَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>