للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ، فَلَا يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ مَا دَامَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَاقِيًا كَمَنْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ وَدَفَعَهَا إلَى السَّاعِي وَكَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ لِغَرَضٍ، وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ زَكَاةً وَثَمَنًا عِنْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ وَمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَمَا دَامَ هَذَا الِاحْتِمَالُ قَائِمًا لَا يُسْتَرَدُّ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ دَفْعُهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ، وَأَخْذُهُ الْكَفِيلُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ قَالَ لَهُ وَقْتَ الدَّفْعِ إنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْك فَأَنَا أَقْضِيك الْمَالَ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ الْأَصِيلُ لِلْكَفِيلِ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْهُ إلَى الطَّالِبِ حَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُؤَدَّى مِلْكًا لِلْكَفِيلِ، بَلْ هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ.

وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لِلْأَصِيلِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمُؤَدَّى حَقُّ الطَّالِبِ، وَهُوَ بِالِاسْتِرْدَادِ يُرِيدُ إبْطَالَهُ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِأَنَّهُ بِالْكَفَالَةِ وَجَبَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ حَقٌّ كَمَا وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ لِلطَّالِبِ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْ الْأَصِيلِ رَهْنًا بِهِ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ الْأَصِيلَ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الطَّالِبِ جَازَ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ بِهَذَا أَنَّ لِلْكَفِيلِ دَيْنًا عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ عَنْهُ فَصَارَ نَظِيرَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّهُ بِالِاسْتِعْجَالِ يُمْلَكُ فَكَذَا هَذَا، ثُمَّ بِالِاسْتِرْدَادِ يَكُونُ نَقْضًا لِمَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ.

قَالَ (وَمَا رَبِحَ الْكَفِيلُ لَهُ) أَيْ إذَا رَبِحَ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ هُوَ لِلطَّالِبِ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الرِّبْحُ بَدَلَ مِلْكِهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ سَوَاءٌ قَضَى الدَّيْنَ هُوَ أَوْ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَفَالَةِ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ إلَّا أَنَّهُ تُؤَخَّرُ مُطَالَبَتُهُ حَتَّى يَدْفَعَ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَيَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ خُبْثٍ إذَا قَضَى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا نَذْكُرُ، فَلَا يُعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ، وَإِنْ قَضَى الْكَفِيلُ، فَلَا خُبْثَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ هَذَا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ، وَإِنْ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الرِّبْحِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ.

قَالَ (وَنُدِبَ رَدُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَوْ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ رَدُّ الرِّبْحِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ كَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَهَذَا إذَا قَضَى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ عَلَى مِثَالِ مَا لَوْ اقْتَضَى دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ وَرَبِحَ فِيهِ وَلَهُ أَنَّ الْخُبْثَ تَمَكَّنَ مَعَ الْمِلْكِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ اقْتِضَاءَهُ قَاصِرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِسَبِيلٍ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَاسْتِرْدَادِهِ الْعَيْنَ الْمَقْبُوضَةَ فَلَا يَخْلُو عَنْ الشُّبْهَةِ فَإِذَا لَمْ يَطِبْ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِحَقِّهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَصِيلُ فَقِيرًا يَطِيبُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ هَذَا إذَا أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لِدَيْنِهِ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ لِتَعَيُّنِهِ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ فِيهِ حَقِيقَةً كَالْمَغْصُوبِ الْمُتَعَيِّنِ إذَا رَبِحَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا الْفَصْلُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ الْأَصِيلُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالنُّقُودِ أَوْ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَالْعُرُوضِ، فَإِنْ دَفَعَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْ إلَى الطَّالِبِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ يَتَعَيَّنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَطَابَ لَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمَالَانِ قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُودَعَ أَوْ الْغَاصِبَ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ أَوْ الْمَغْصُوبِ وَرَبِحَ فَعِنْدَهُمَا لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ دَفَعَ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ قَالَ الْأَصِيلُ لِلْكَفِيلِ إنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْك فَأَنَا أَقْضِيك قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ كَالنُّقُودِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ لِمَا قُلْنَا: غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ لِلْأَصِيلِ الرُّجُوعَ عَلَى الْكَفِيلِ إذَا أَدَّى الْأَصِيلُ بِنَفْسِهِ وَبِالرُّجُوعِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَغَيْرِ النُّقُودِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ: مَنُّ الْأَصِيلِ يُتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: مَنُّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَطِيبُ لَهُ اهـ.

قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْجَامِعَ الصَّغِيرَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَا يَطِيبُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْكَفِيلَ بِعَقْدِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ اسْتَوْجَبَ عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنًا مُؤَجَّلًا كَمَا بَيَّنَّا وَلِهَذَا صَحَّ إبْرَاءُ الْأَصِيلِ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَدَاءِ الْكَفِيلِ حَتَّى إذَا أَدَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا اسْتَوْفَاهُ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ صَحِيحًا فَكَانَ الرِّبْحُ حَاصِلًا عَلَى مِلْكِهِ فَطَابَ لَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْكَفِيلِ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ قَاصِرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّالِبَ إذَا أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ الْكَفِيلِ يَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ وَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ يَنْتَقِضُ فَكَانَ الْمِلْكُ قَاصِرًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ أَصْلًا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْخُبْثِ فَإِذَا كَانَ قَاصِرًا تَثْبُتُ شُبْهَةُ الْخُبْثِ فَلَمْ يَطِبْ لَهُ الرِّبْحُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ اهـ.

غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَشْبَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَطِيبَ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>