للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَمَرَ كَفِيلَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَرِيرًا فَفَعَلَ، فَالشِّرَاءُ لِلْكَفِيلِ، وَالرِّبْحُ عَلَيْهِ) وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ الْأَصِيلَ أَمَرَ الْكَفِيلَ بِبَيْعِ الْعِينَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ مِنْ النَّاسِ حَرِيرًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ، ثُمَّ بِعْهُ فَمَا رَبِحَهُ الْبَائِعُ مِنْك وَخَسِرْت أَنْتَ فَعَلَيَّ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَأْتِيَ هُوَ إلَى تَاجِرٍ فَيَطْلُبَ مِنْهُ الْقَرْضَ وَيَطْلُبَ التَّاجِرُ الرِّبْحَ وَيَخَافُ مِنْ الرِّبَا فَيَبِيعَهُ التَّاجِرُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً مَثَلًا بَخَمْسَةَ عَشَرَ نَسِيئَةً لِيَبِيعَهُ هُوَ فِي السُّوقِ بِعَشَرَةٍ فَيَصِلَ إلَى الْعَشَرَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ، أَوْ يُقْرِضَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، ثُمَّ يَبِيعَهُ الْمُقْرِضُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَأْخُذُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَقْرَضَهُ عَلَى أَنَّهَا ثَمَنُ الثَّوْبِ فَتَبْقَى عَلَيْهِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَرْضًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ نَفَذَ عَلَيْهِ، وَالرِّبْحُ الَّذِي رَبِحَهُ التَّاجِرُ يَلْزَمُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا ضَامِنٌ لِمَا يَخْسَرُهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهَا لِلْوُجُوبِ، فَلَا يَجُوزُ كَمَا قَالَ لِرَجُلٍ فِي السُّوقِ فَمَا خَسِرْت فَعَلَيَّ، وَإِمَّا تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ كَمَا قَالَهُ الْبَعْضُ نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ نَوْعِ الْحَرِيرِ وَثَمَنِهِ.

وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْبَيْعِ عِينَةً لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ يُقَالُ بَاعَهُ بِعِينَةٍ أَيْ نَسِيئَةٍ مِنْ عَيْنِ الْمِيزَانِ، وَهُوَ مَيْلُهُ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ وَقِيلَ:؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْعَيْنِ بِالرِّبْحِ وَقِيلَ: هِيَ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَقِيلَ: لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِشُحِّ النَّفْسِ، وَهَذَا النَّوْعُ مَذْمُومٌ شَرْعًا اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعَيْنِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ».

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَغَابَ الْمَطْلُوبُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفًا لَمْ يُقْبَلْ)؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ مَالًا سَيَجِبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْقَضَاءِ، أَوْ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُوجَبُ عَلَى الْأَصِيلِ وَشَرْطُ لُزُومِ الْكَفِيلِ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ الْوُجُوبُ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَا الْقَضَاءُ، وَهُوَ غَائِبٌ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا قَبْلَ الْكَفَالَةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بَعْدَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَفَالَةِ بِالشَّكِّ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْوُجُوبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِأَنْ قَالَ حَكَمَ لِي عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانٌ بِكَذَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا دَخَلَ فِي الْكَفَالَةِ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ.

قَالَ (وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ بِلَا أَمْرٍ قُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَقَطْ) أَيْ لَوْ أَحْضَرَ شَخْصًا عِنْدَ الْقَاضِي فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ هَذَا الشَّخْصَ كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ) الْمُرَادُ بِاتِّبَاعِ أَذْنَابِ الْبَقَرِ الزِّرَاعَةُ اهـ.

غَايَةٌ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَتْرُكُونَ الْجِهَادَ وَتَأْلَفُ النَّفْسُ الْجُبْنَ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ (قَوْلُهُ: ذَلَلْتُمْ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ اهـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ إلَى آخِرِهِ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ تَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِالْكَفِيلِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفَ دِرْ هَمٍ قَالَ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمَكْفُولَ بِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ الْتَزَمَ مَا لَا يُقْضَى بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمَا لَمْ يُقْضَ بِهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى الْكَفِيلِ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَفَلَ بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى ذَابَ وَجَبَ مُسْتَعَارٌ مِنْ ذَوْبِ الشَّحْمِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَاللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا يُرَادُ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ كَقَوْلِهِمْ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَأَدَامَ عِزَّك فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا الْكَفِيلُ كَفَلَ بِمَالٍ يَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ بَعْدَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ لَا قَبْلَهُ وَدَعْوَى الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ مُطْلَقَةٌ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُجُوبِ الْمَالِ بَعْدَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الْكَفَالَةِ وَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَفَالَةِ فَفَسَدَتْ الدَّعْوَى فَلَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفًا لَمْ يُقْبَلْ) لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ لَمْ يَنْتَصِبْ عَنْهُ خَصْمٌ إذْ الْكَفِيلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ بِمَالٍ مَقْضِيٍّ بِهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ كَقَوْلِهِمْ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَهَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ الذَّوْبَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الذَّوْبُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَالدَّعْوَى مُطْلَقٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ لَمْ تَشْهَدْ بِقَضَاءِ مَالٍ وَجَبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَلَمْ يَقُمْ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ كَفِيلًا عَنْ الْغَائِبِ بَلْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ إذْ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا وَهَذَا فِي لَفْظِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي فِي الْأُخْرَى وَهُوَ لَفْظُ ذَابَ لِأَنَّ مَعْنَى ذَابَ تَقَرَّرَ وَوَجَبَ وَهُوَ الْقَضَاءُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ اهـ.

كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ إلَى آخِرِهِ) صَارَ كَفِيلًا وَصَحَّتْ الدَّعْوَى وَقُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ بِالْمَالِ لِصَيْرُورَتِهِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْكَفِيلِ خَاصَّةً اهـ.

فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ بَرْهَنَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ لِرَجُلٍ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَجَاءَ الطَّالِبُ بِالْكَفِيلِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ لَهُ بِأَمْرِ فُلَانٍ عَنْ فَلِ انٍ فَإِنِّي أَقْضِي بِشَهَادَتِهِمْ بِالْمَالِ عَلَى هَذَا وَعَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْغَائِبِ قَضَيْت بِالْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ بِخَصْمٍ عَلَى الْغَائِبِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>