أَيْضًا عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالْبَيْعِ وَقَضَى بِشَهَادَتِهِ، أَوْ لَمْ يَقْضِ يَكُونُ تَسْلِيمًا حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْبَيْعِ عَلَى إنْسَانٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِنَفَاذِ الْبَيْعِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يُرِيدُ بِتَصَرُّفِهِ الصِّحَّةَ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ أَوْ بَاعَ بَيْعًا بَاتًّا نَافِذًا أَوْ كَتَبَ فِي الشَّهَادَةِ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ عَلَى زَعْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ إقْرَارِهِمَا فَيَكُونُ بِدَعْوَاهُ بَعْدَهُ مُنَاقِضًا بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ فِي الصَّكِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ، وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّ فُلَانًا بَاعَ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ.
وَقَوْلُهُ وَخَتْمِهِ وَقَعَ اتِّفَاقًا بِاعْتِبَارِ عَادَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَخْتِمُونَهُ بَعْدَ كِتَابَةِ أَسْمَائِهِمْ عَلَى الصَّكِّ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ، وَالتَّزْوِيرِ، وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّكُّ مَخْتُومًا، أَوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ، أَوْ رَهَنَ بِهِ، أَوْ ضَمِنَ نَوَائِبَهُ وَقِسْمَتَهُ صَحَّ) أَمَّا الْخَرَاجُ فَلِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ حَقًّا لِلْمُقَاتِلَةِ بَدَلًا عَنْ الذَّبِّ وَالِاسْتِحْفَاظِ وَالْمُحَامَاةِ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ، وَهُوَ عَيْنٌ مَضْمُونٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالْكَفَالَةُ بِأَعْيَانٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ لَا تَجُوزُ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا فِعْلٌ هُوَ عِبَادَةٌ، وَالْمَالُ مَحَلُّهُ وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ، فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ يُوَظِّفَ الْإِمَامُ كُلَّ سَنَةٍ فِي مَالٍ عَلَى مَا يَرَاهُ لَا الْخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةُ، وَهُوَ الَّذِي يَقْسِمُهُ الْإِمَامُ مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ.
وَالرَّهْنُ كَالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّوَثُّقِ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِيهِ وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي صُورَتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَأُجْرَةِ الْحُرَّاسِ وَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَالْمَالِ الْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ أُرِيدَ بِهِ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ الَّتِي فِي زَمَانِنَا يَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الْأَوَّلَ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَضْمُونٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الثَّانِيَ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، أَوْ فِي الدَّيْنِ، وَهُنَا لَا دَيْنَ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْأَصِيلِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الضَّمِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ، مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ مِثْلُ سَائِرِ الدُّيُونِ، بَلْ فَوْقَهَا، وَالْعِبْرَةُ فِي بَابِ الْكَفَالَةِ لِلْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ؛ لِالْتِزَامِهَا وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِسْطِ يُؤْجَرُ، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بِالْأَخْذِ ظَالِمًا.
وَقُلْنَا إنَّ مَنْ قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ كَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ: هِيَ مَا أَصَابَ الْوَاحِدَ مِنْ النَّوَائِبِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هِيَ النَّصِيبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: ٢٨] وَالْمُرَادُ بِهَا النَّصِيبُ وَقِيلَ: هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا غَيْرَ أَنَّ الْقِسْمَةَ مَا يَكُونُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: أَوْ كَتَبَ فِي الشَّهَادَةِ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ قَالَ مَشَايِخُنَا إنْ ذَكَرَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَيْعِ مَا يُوجِبُ صِحَّتَهُ وَنَفَاذَهُ بِأَنْ كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَهُوَ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ دَعْوَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِهِمَا بِذَلِكَ كُلِّهِ فَحِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِأَنْ يَكْتُبَ فِي الشَّهَادَةِ بَاعَ فُلَانٌ كَذَا مِنْ فُلَانٍ وَقَدْ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ اهـ.
غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْخَرَاجُ فَإِنَّمَا صَحَّ الضَّمَانُ بِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مَضْمُونٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ يُطَالَبُ بِهِ وَيُحْبَسُ فَصَارَ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ بِالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ جَمِيعًا لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ جُزْءٍ مِنْ نِصَابٍ مُقَدَّرٍ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَلِهَذَا لَا تُؤْخَذُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ تَمْلِيكِ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالْمَهْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْبَدَلُ كَانَ مِلْكًا لَهُ فَيَكُونُ الْمُبْدَلُ مِلْكًا لَهُ أَيْضًا وَالْخَرَاجُ بَدَلٌ عَنْ مَنْفَعَةِ الْحِفْظِ فَيَكُونُ دَيْنًا وَلَيْسَ الزَّكَاةُ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ آخَرَ، فَلَا يَكُونُ دَيْنًا فَكَانَ الْمِلْكُ مُتَعَلِّقًا بِالتَّمْلِيكِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ فِعْلٍ يَعْنِي أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ مُجَرَّدِ فِعْلٍ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا اهـ.
أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَأَمَّا النَّوَائِبُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَأَجْرِ الْحَارِسِ وَكَرْيِ نَهْرِ الْعَامَّةِ وَإِنَّهُ دَيْنٌ وَيُسَمَّى نَائِبَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِمَامُ نَحْوُ تَجْهِيزِ الْمُقَاتِلَةِ وَفِدَاءِ الْأَسَارَى بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ فَيُوَظِّفَ مَالًا عَلَى النَّاسِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى كُلِّ مُوسِرٍ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَيَضْمَنُ إنْسَانٌ قِسْمَةَ صَاحِبِهِ أَيْ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ يَجُوزُ وَأَمَّا النَّوَائِبُ الَّتِي يُوَظِّفُهَا السُّلْطَانُ ظُلْمًا عَلَى النَّاسِ كَالْجِبَايَاتِ فِي زَمَانِنَا بِسَبِيلِ الظُّلْمِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ: كَأُجْرَةِ الْحُرَّاسِ) أَيْ لِلْمَحَلَّةِ الَّذِي يُسَمَّى فِي بِلَادِ مِصْرَ الْخَفِيرَ اهـ.
كَمَالٌ مَعَ تَغْيِيرٍ (قَوْلُهُ كَالْجِبَايَاتِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ كَالْجِبَايَاتِ الْمُوَظَّفَةِ عَلَى النَّاسِ فِي زَمَانِنَا بِبِلَادِ فَارِسَ عَلَى الْخَيَّاطِ وَالطَّبَّاخِ وَغَيْرِهِمَا فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِلسُّلْطَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ النَّسَفِيُّ اهـ.
وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ هَذَا هُوَ أَخُو فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْآتِي أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ) هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ النَّسَفِيِّ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هَذَا كَانَ تِلْمِيذَ الشَّيْخِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْمَاتُرِيدِيِّ السَّمَرْقَنْدِيِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقُلْنَا إنَّ مَنْ قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ) لَكِنْ هَذَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَا عَنْ إكْرَاهٍ أَمَّا إذَا كَانَ مُكْرَهًا فِي الْأَمْرِ لَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِي الرُّجُوعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ) أَيْ اسْتِحْسَانًا بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ اهـ. غَايَةٌ